الخميس، 31 مارس 2011

يوميات امرأة تافهة


رشا فرحات

صحوت من نومي في ساعة متأخرة" هي صفة العظماء أمثالي" إحدى قائدات حركة الجمال الكونية في العالم، وأعددت فنجانا من القهوة على مهل، وأبنائي يصرخون متضورين من الجوع" ماما بدنا نفطر" لكن ليس مثلي من يتنازلون بالرد على البشر.

خرجت إلى الشرفة أشتم هواء الصباح العليل، فمثلي يجب أن تشتم هواء بارداً نقياً، لتبقى بشرتها الجميلة منتعشة شابة، وبدأت بممارسة بعض التمارين الرياضية كعادتي، وزوجي يحدق بي كعادته وهو يرتدي ملابسه ليذهب إلى عمله، وينقل عيونه بيني وبين أبناءه الراكضين، ويتناول ببصره أرجاء المنزل مردداً جملته المعتادة:" لأي وقت سيبقى البيت مزبلة هكذا"،  أرد أنا بنفس الوتيرة:" لحتى تجيب شغالة تخدمني، شو بدك أيدي الحلوين هدول تجلي، ولا تمسح" ، ثم أنني لم أعد متفرغة لهذه الأعمال التافهة.
وأنا استغرب واحدث نفسي كالعادة" غيران أكيد غيران، هو في حدا محسود على هالنعمة زيو، زوجة رشيقة، جميلة ، مثقفة، أنيقة، شو بدو أكثر من هيك""

صوت صرخات أطفالي يعلو ويعلو، حتى نقرت صرخاتهم طبلة أذني فخفت على رقتها من التأثر، من تلك الموجات المزعجة، فنهرت ذلك الكبير بأن" يشحط" أخوته وراءه ويدخلوا غرفتهم، ولا يخرجوا حتى أناديهم.

ذهبت إلى الحمام، لأحضر حمامي الدافئ، وأزيل عن نفسي هموم البيت والأطفال والمسؤوليات التي لا تعرف قيمتي في الحياة، وعظمتي، وتنازلي في تربيتهم، فمن هي مثلي لم تخلق لتربي أطفالاً، فأيهما أهم بالله عليكم ، أن أهدر وقتي الثمين في إعداد الفطور لهؤلاء الرعاع، أو الاهتمام ببشرتي التي باتت مهددة بسبب تغيرات الجو وانخرام طبقة الأوزون التي تكالبت علي هي الأخرى في محاولة لإفساد جمالي، هذا إذا لم نتحدث عن تقالبات الجو المفاجأة وتأثيرها على هذا المخلوق الرقيق المتمثل بعظمتي.

 ألا يعلم هذا الكون أن هناك مخلوق رقيق مثلي على وجه الكرة الأرضية يحتاج لحماية ومراعاة لنفسيته خوفا على خسارته، فتخسر الدنيا أعظم مخلوقاتها، طبعاً أنا سأكون حريصة على مصلحة المجتمع العام أكثر من مصلحة أبنائي الخاصة وأعطي جمالي الاهتمام الأكبر، فماذا ستصنع البشرية إذا ترهلت بشرتي، وظهر فيها بعض البثور لا قدر الله، طبعا ستنهار حركة الجمال الكونية، ومخططاتها بانهيار قائدتها المتمثلة بعظمتي.

 وأبدأ مشواري اليومي بدون كلل أو ملل في محاولة عظيمة لأداء واجباتي نحو استمرار الجمال الكوني المتمثل ببشرتي الرقيقة، سأبدأ بدهن بشرتي بخلطاته المعتادة، خلطة الفراولة المعبقة بماء الورد، فردتها على وجهي الرقيق، وأنا انظر في المرأة بتعجب، سبحان الذي خلقك وخلق جمالك الباهر، وأتأسف ندماً على تضيع وقتي السابق، في الزواج والإنجاب، مرددة بصمت" قطعة، تقطع الزواج والخلفة، ما كان ضليت بحريتي أروح على الكوافير كل يوم واعمل" بودكير ومونكير، هلقيت يا دووووووب، مرتين ثلاثة في الأسبوع، لا وزوجي بتأفف، قال بيوصل أجار الكوافير بالشهر لألف شيكل، شو يعني هو في أشي في الدنيا أهم من وجهي، من أجل استمرار الحركة الجمالية في الكون فقط، والله خايفة على الجمال الكوني من بعدي، وقد خسر رمزاً من رموزه.

صوت طرقاتهم على الباب، لم أضع حتى ماسك الافوكادو على وجهي، لا يستطيع الإنسان التمتع بجماله لدقيقتين، صرخت بأبني مكررة طلبي" اذهب لغرفتك وخذ إخوتك معك"
- ماما أنا جعان
- جوع القملة، اقصد، ياماما لحظة شوي ساعتين زمن وبكون خلصت من الماسكات، وبدي بس أعمل تقشير بشرة، وسشوار، هو الواحد مش قادر يهتم بحاله على المضبوط من يوم ما صار عندو ثلاث شحوطة.

- ماما مش عارف أحل واجب الحساب
- شو أعملك مش فاضيه
- ماما المعلمة راح تضربني
- عادي من إهمالك

ما هو المطلوب أذن، هل أترك جمال بشرتي عشان شوية حساب، إن شالله ما عرف يحسب، وبعدين مين أهم واجب الحساب ولا حركة الجمال الكونية، طبعا مصلحة العام، أهم من الخاص.

- ماما أختي فاطمة طلعت على الشارع
- فاطمة!!!!!!!!!  قلتلك اسمها فوفو ، مش بكفي بتشبه أبوها ومش طالعة شبهي، كنت أتمنى أن تصبح ابنتي شبهي في كل شيء، حتى يتسنى لها الانضمام إلى عضوية حركة الجمال الكونية والمتمثلة في عظمتي لكن مش مهم، وبعدين أسلوب الولد هادا إلي هو أبني صار بيئة كثير لازم أأدبه ويعرف كيف ينادي على أخته، شو فاطمة هاي، ياااااااااااي.

- ماما، فاطمة وقعت في الشارع وبتعيط، عاااااااااااااااا
- مامااااااااااا، فاطمة ضربها ابن الجيران، عااااااااااااااا
- ماماااااااااا، فاطمة عينها بينزل منها دم، عاااااااااااااااا

- فاطمة ، فاطمة، خوتنا وأنت تصرخ قلتلك فوفو ، يا غبي، ليش العياط الفاضي، على شو بتعيط.

نظرت شرراً إلى عين ابنتي، ياااااااااي دم، وهاي شو بدي أعمل فيها، يالله على العطلة، ما خلصت لسة باقية الماسكات، هيك بشرتي راح تتأثر بهذا الانفعال الصباحي الذي لم أعمل له أي حساب.

  وتنازلاً مني في محاولة متواضعة لتهدئتها، رددت: بسيطة بسيطة، أصلاً مش مهم ما بكفي انو عيوني حلوين، بعدين البنت هادي طالعة شبه أبوها، وعيونها بالذات زي عيونو، مش شبهي، مش مهم تروح عين من عيونها، عيونها مش داخلة في نطاق مواصفات الانضمام لحركة الجمال الكونية، يعني مش حتأثر على المجتمع عينها لو راحت، المهم حركة الجمال الكونية، المتمثلة بعيوني أنا طبعاً، يجب أن تبقى لمصلحة العام مش مهم الخاص، إلي هو عيون بنتي فاطمة، أقصد فوفو.

الثلاثاء، 29 مارس 2011

 رشا فرحات

كنا نعمل معا قبل عشر سنوات، في احد المراكز الإعلامية التابعة لمؤسسة شبه حكومية، المهم أنني ذهلت عجباً حينما دخلت لاستلام عملي في أول يوم لي، و تعرفت عليه، مديري الشاب الذي يصغرني بخمس سنوات، فرحت كثيرا ورددت " والله برضو البركة بالشباب" لأننا بالطبع عانينا كثيرا من قرصنة الأقلام الكبيرة وسيطرتها على أحلام الشباب الصحفيين في غزة.

كان يوماً جميلاً ذلك الذي تعارفت فيه بمديري الصغير" مصطفى كعبور" وعلى الرغم من أن اسمه ينطبق  عليه لقصر طوله ودنوه من الأرض، وعلامات السخافة والسذاجة والغباء المختلط بالمكر التي تتجمع في وجهه الغريب الملامح،" وأنا لا أغتاب والله لكن سيبوني، من قهري".

 لكن والله سعدت "وما الكم علي حلفان" بالموهبة الفذة في الكتابة والإبداع والمهنية الصحفية التي "صوحنا" وهو يحدثنا عنها منذ اليوم الأول لدخولنا، وأنا بحثت في صفحات الانترنت عن اسمه جاهدة للتعرف على كتاباته فلم أرى أي اسم يمت لكعبور بصلة من قريب ولا بعيد، وعندما سألت مديري عن ذلك قال بثقة غريبة " أنا لا أوقع باسم مصطفى كعبور" بس انت أكيد قراتيلي، مقالاتي كلها معبية الدنيا بس باسم مصطفى محمود"
-        أنا: مصطفى محمود!!!! " أنا بعرفش مصطفى محمود غير، الدكتور مصطفى محمود تبع العلم والإيمان"
-    المدير بعصبية:" دكتور، هو صار دكتور، مصطفى محمود إلي بطلع في العلم والإيمان صار دكتور، والله هي أول علمي، بجوز، ثم يستطرد، هو على العموم منتحل لشخصيتي، الله لا يوكله، شفتي بجاحة زي هيك، كل موضوعاته مقتبسها من أفكار طرحتها، وبيني وبينك، هو لطشله اكم من مقال رصهم في شوية كتب، بس انا قلت أنسى يا ولد خلي هالناس تسترزق"....

-        أنا بفم مفتوح وعيون جاحظة: تسترزق، هي بسطة بندورة !!

وصمت كعادتي أمام كل " حالات الشزوفرينيا" التي رأيتها حتى الآن وقد تجاوزت، 200- 250، مش فاكره بالضبط، طبعاً كلها حصيلة ما تفعله إسرائيل من احتلال وتفقير، واعتقالات، وكل الأسباب إلي انتو عارفينها والي دايما بنرصها زي الاسطوانة ورا كل بلاوينا، ومع أني أرص كما يرص الآخرون نفس الاسطوانة، لكن لا يعني أن نهطش هطشة كبيرة ونسرق اسم مصطفى محمود، طب يا غلبان شوفلك واحد متداري شويه، ما حدا بعرفه، مصطفى محمود مرة وحدة. 

" بعدين والله هو أنا شو طالع بايدي، يعني بدي أغير العالم، وايش بدي أقول للي بدو يسرق عبقرية العالم مصطفى محمود، هو أنا بدي الاحق كل الهبلان إلي في البلد، مش حنخلص، بس والله عجب، هو مفكر مصطفى محمود معاه في مدرسة الإعدادية الزيتون، ولا كان بلعب معه "قلول" في الحارة".
 يبدو انه لا يعلم حتى أن مصطفى محمود يكبره بخمسة عقود على الأقل.

بادرت بسؤاله: "حضرتك يا مصطفى ايش مخلص"
-    المدير: بس معلش أنا بحب نتعامل بالألقاب، برضو أنا اسمي المدير، والاحترام واجب، يا ريت تناديني أستاذ مصطفى، ثم تابع حديثه رغم قهري الذي بدا واضحاً على وجهي:" أنت مش عارفة إني مخلص إعلام من الأزهر، والماجستير من الإسلامية، وأنا الان بصدد إنهاء الدكتوراه، من عين شمس"
-    أنا بحكي مع حالي: دكتوراه ؟؟!! أستاذ!! عين شمس!! عين تطقك، وما تصلي على النبي، هو أنت يا منيل كملت الاثنين وعشرين سنة  وقتيش يا حبيب أمك، عشان توصل للدكتوراه؟!!

أصبح السر الذي يخفيه مديري شغلي الشاغل، خصوصاً بعد ما بدأت تظهر عليه علامات " الخيبه الثقيلة"  وبدأ "يعك" فيما نكتبه من تقارير، " في محاولة لتصحيح أخطاءنا الصحفية في الكتابة"، و الألف الموصولة قلبت إلى قطع، والتاء المفتوحة قلبت إلى تاء مربوطة، هذا إذا لم ندخل في تاء التأنيث، ونون النسوة، وجمع المذكر، وجمع المؤنث، والمدود " هادي لحالها كانت فضيحة بجلاجل" .

  "المهم إن المدير طلع ما بعرف الألف من كوز الذرة"،  والموقع الإعلامي الذي نعمل على تحريره، قلب موقعاً للطبخ، وأصبح هوسه اليومي هو تصوير نفسه ونشر الصور على الصفحة يتوسطها خط بالبنط العريض" المدير مصطفى محمود"، يعني مع أخبار الاجتياح، بتطلع صوره، ومع أخبار المرأة بتطلع صوره، حتى مواضيع الأطفال" أحباب الله"، تتوسطها سحنته وهو يبتسم، وحامل بأيده مصاصة..

وأنا والله لم احسده على شيء، ولم أتأثر بأي شكل،" كنت بس حفرقع من جوا، وهو يصرخ في وجوهنا كلما تدخلنا في تصحيح نص من نصوصه التي لا تمت لمصطفى محمود" الأصلي" بأي صلة ويصرخ في وجوهنا وهو يشرب النوسكافيه،" النسكافيه"، كما كان يسميه، عندما عرفنا عليه قائلاً: أنا أول من ادخل فكرة النوسكافيه إلى عالم القهوة،" هي وصلت كمان للنسكافيه"
     وبما أننا لا نعلم من هو صاحب فكرة إل" نسكافيه" الأصلي، التزمنا الصمت كعادتنا!!

ثم يتابع صارخاً عندما يرى تهامسنا:  المعترض على كلمة يعطينا عرض أكتافه ومن بكرة بجيب غيره، هي كلها ميتين دولار وعلى حساب الحكومة.
     "الله يخليلنا الحكومة، هو إلي بصير فينا من شوية، من هالمصايب إلي متحكمة في البد"

والغريب في شخصية مديرنا الفاضل، انك كلما مررت من أمام غرفته، وجدته يقرض أطراف أظافره خائفاً أو متحمساً " وأنا أقول " يمكن قلبه حاسس" بناء على تحليلي الشخصي، ولقد أصبحت خبيرة في موضوع التحليلات النفسية، وكما يقول المثل الفلسطيني الشعبي" شوف عيني هد حيلي".
 المهم انه كان دائما في حالة من الخوف ، بالضبط" زي إلي عامل عمله" وهو يراقب النافذة ويختلس النظر ثم يبدأ في البحث عن أخبار فلانة وعلانه، وفلان وعلان" من موظفي المؤسسة" ويبدأ في تأليف القصص والحكايات، ثم يضع رجلاً على رجل، ويجيب من يوجه له تهمة" البرم الفاضي" ،" أنا واحد معي ماجستير، وبحضر للدكتوراه مش فاضي لبرم الهبلان تبعكو".

ولكن على البركة، ولصفاء نيتي لا أكثر، انكشف المستور، وجاء اليوم المنتظر، يوم الفرج،" يا لهوي كان يوم سعد"، عندما قدم احد أقاربي لزيارتي مصادفة لا أكثر، وشاهد مصطفى محمود وصرخ بأعلى صوته:"كعبوووووووووووووور، كيف حالك ولا"
وأنا ركضت مسرعة لأشاهد اللقاء الحميمي، بين كعبور، وصديقه، لعله يكشف لي بعضاً من طلاسم السيد المدير، وركضت لضيفي أسأله بحضور كعبور طبعاً، أقصد" مصطفى محمود".

-أنا : انتو بتعرفوا بعض؟؟
- الضيف: ها كيف، هاض جاري من عشرين سنين، بعرفه من يوم ما كان ياكل قتل على ايدين الأولاد في الحارة، ثم يلتفت إليه مكركراً: الله لا يوكلك ولا،  شو لابس بدله ومتبدل، شكلك زي الأفندية.
- انا: انت ما بتعرف انو مصطفى  مديرنا في مركز الإعلام.
- الضيف: نعم! : من وينلك ولا، على ايش موظفينك، مش كنت معنا في الوقائي؟؟
- انا انتهز الفرصة قبل أن يفتح مديري فمه متأتئاً، وأقول مسرعة: أي وقائي، أي وقائي؟؟
- الضيف: كنا مجندين في كتيبة وحده، وأول ما استلمنا، وقفونا عند رمزون الأزهر، فاكر ولا لما جريت على هديك البنت بدك تاخد عنوانها، وراحت الله وكيلك ضربته بالكف، وبأعلى صوتها قالتله: ما ضلش علينا غير هالشكل، يومها ضحكنا ضحك... ثم ينظر إلى كعبور مستدركاً، أنت ايش إلي نقلك هالنقله ولا، من وينلك؟!!
    - أنا أصطاد في الماء العكر" لمعرفة الحقائق وكشف المستور، وليس لأهداف أخرى " مالكم علي يمين"        وبهدوء أتكلم مع ضيفي: أستاذ مصطفى مديرنا معه ماجستير من الجامعة الإسلامية.
    - الضيف مكشرا ومبرطماً: نعم يا خوي من وينلك ولا، انت لسه السنة إلي فاتت أخدتلك قتلة  من الحاج،" يقصد والد العبقري مصطفى محمود" وأنا إلي فزعت بناتكو، عشان صارلك ثلاث سنين بتعيد في توجيهي، هلقيت صرت معك ماجستيييييييير نقله وحده ، هههههههه، مين الهبيلة إلي وراك...

-    أنا باستغراب لا يخلو من السعادة وبدون ذكر اسم الهبيلة إلي وراه، وبأعلى صوتي، توجيهي، تلات سنين، يا سلام وانا والله إلي تهت بينك وبين مصطفى محمود، طب على قدك الكذبة...
 المهم إنني لم أكمل كلامي، وقد انقض عليه العشرين موظف" زملائي" ممن عانوا الأمرين، وأوسعوه ضرباً، وهم يرددون، دكتورا، ماجستير، نوسكافيه، لا وعامل حالك أستاذ بدك نتعامل بالألقاب.
"وين إلي توجعك"

ضحكت كثيراً، وسخرت كثيراً ، وليس من باب الشماتة والله .
ثم رددت بتأمل: الله لا يرده، بس لو يمسكوني الهبيلة إلي وراه....

من صفورية إلى لندن ..

رشا فرحات

كنا في الجامعة، كانت صديقتنا سهى تهوى( البكش) يعني غاوية كذب، كذب من العيار الثقيل، كذب على المكشوف، المهم الآن أن سهى صديقتنا هاتفتنا لتخبرنا أنها عادت من لندن.. خمس سنوات قضتها في جمال لندن، دون أن نعلم عنها شيء، أصلاً منذ أن  تزوجت قبل عشر سنوات ونحن لا نعلم عنها شيء، هي من هاتفنا قبل خروجها بيوم، لتقول أنها ستسافر مع زوجها وأبناءها إلى لندن.
-    أنا أحدث نفسي: لندن مرة واحدة، انت يا سهى ما وصلتيش رمزون السرايا إلا على ايدنا، واعتبرت تناول البوظة في مطعم كاظم، حدث تاريخي لن يكرر، واليوم ستذهبين إلى لندن، كشرت بكل ما أوتيت من أنواع التكاشير مرددة( اللهم لا حسد).
ومع أني شككت في رواية  لندن، إلا أنني اضطررت للتصديق هذه المرة، فهل يسافر أحدهم إلى لندن كذبا، لكن تساءلت باستغراب: ماذا تريد أن "تسخم" هي وجوزها في لندن؟! حتى جوزها لا يحمل الإعدادية، فماذا س" يلطم" في لندن، وماذا سيعمل، على العموم "ما علينا" المهم أنها عادت، وبناء على طلب شلة الجامعة لم أرفض الذهاب إلى زيارتها، ولم أخبرهم أنني أصلا لا أطيقها منذ كنا في الجامعة..

دخلنا إلى بيت سهى  - الذي لم تظهر عليه أي علامة تدل على أن أصحابه كانوا يوما في لندن- بعد السلام والكلام، وبعد ما وزعت علينا سهى لكل واحد كيس يحوي نص كيلو زعتر، ونص كيلو دقة على الماشي، و" بكيت" مرامية على سبيل الهدية ( لندن ايش هاي الي بجيبو منها دقة ومرمية) قلنا برضو ما علينا، لكن أنا زورتها على الباب قائلة لها: ( كان جبتيلك كرتونتين رأس العبد معاك من لندن يا سهى، بقولوا هناك راس العبد زاكي ما بتخير عن الدقة والزعتر) وهي وبطرف عينها ردت:
-        اوه سوري، المرة الجاية" .
-        والله وكيلكو ما سمعت منها كلمتين لندني غير اوه وسوري، الله يعلم ايش كانت تهبب في لندن، ما انا شاكة في حكاية لندن من  الأول أصل.


ما علينا خرجنا من بيت سهى ونحن في شوق عارم، للالتقاء قريبا، وتواعدنا أخيرا، لنلتقي على سبيل "تغير الجو" في منتزه البلدية- حديقة عامة مشهورة في منتصف مدينة غزة- ، حتى يتعرف أطفالنا على بعضهم البعض، وجاء هذا اليوم الموعود، الذي تأكدت فيه فعلا أن سهى لم تخرج يوما من قرية صفورية، التي تقطنها منذ تزوجت ابن عمها رغما عنها، وصفورية هي قرية تقع في الضاحية الجنوبية الغربية الشمالية الشرقية في مكان ما من قطاع غزة، المهم أنها اشتهرت بهذا الاسم، لأن معظم أهلها عندما يصلون إلى سن العشرين عاما يخرجون للصفير كل ليلة في مزامير خشب يصنعونها بأنفسهم، حتى اشتهروا وذاع صيت قريتهم  صفورية، والبعض يطلق عليها اسم، أرض المهابيل" لأنو بصراحة عملة أهلها ما بيعملها غير المهابيل" ويقال أن صفيرهم كان سببا في جلب الشياطين إلى قريتهم، حتى غدا نصف أهل القرية في
( العصفورية) ونصفهم الباقي، تأتيه حالات أشبه بالعته اليومي، ما علينا المهم أن  سهى لم تخرج يوما من صفورية  إلا لتزور أهلها في رفح، او لتشتري اثنين كيلو بندورة من سوق صفورية، القريب من مقر سكنهم، أو لتسديد فاتورة الماء والكهرباء،  وربما تعدى ذلك إلى التسوق في سوق الزاوية، "غير هيك ما تقنعونيش"

كان يوما مشرقا جميلا ذلك الذي جمعني مع سهى ووحوشها الأربعة، آسفة، اقصد أبناءها الأربعة في منتزه بلدية غزة، وهم يهتفون منذ دخولنا، "هيه هيه احنا في غزة، هيه هيه احنا في غزة"  فبادرت بالسؤال:
-        أنا: شكل أولادك ما كانوش مبسوطين في لندن يا سهى، وانا في بالي فرحانين بالعودة إلى غزة...ما علينا
-    سهى تمط شفتيها: لندن ايش، ثم تستدرك مسرعة: آه قصدك لندون، آه هي الحياة في لندون، كتير معقدة بالنسبة لأطفال في مثل سنهم، وولادي يا حرام خجولين كتير، هاديين، ومش متعودين على الحياة الدوشة، وما تتخيليش قديش لندون دوشه...

ولم تكمل سهى كلامها الا وابنها الكبير بنادي:
-        يامه يامه" بدي اركب على الكاره"
-        أنا : كارة،  يامه!!
-        أنا : ردي يا سهى، كارة ايش!!
-        سهى: يا مه انت ما زهقت كارات في لندون.
-        أنا : كارات في لندون!!!
-    سهى: الله وكيلك جارنا جورج الي في اللزق إلنا في حارة الشانزلزيه، الي كنا ساكنين فيها عندو كاره بحمار،  بموت على الاولاد، دايما بطششهم في الكارة
-    أنا: بطششهم، حارة الشانزلزيه، كارة بحمار، كانت في لندن، ولا كانت بتشيل كياس طحين على باب المؤن، فرع مخيم الشاطئ يبدو أنها حصلت على ليسانس "كارات" فرع حمير بتقدير ممتاز.( برضو ما علينا)
-        أنا: طيب يا سهى روحي شوفي ابنك الي بدو يركب على الكارة!!
-        سهى: لا مش مهم ما هو متعود بركب لحاله.

تلف سهى رأسها وتجعر بأعلى صوتها:" ولا ولا يا حمار يا ابن الحمارة، ان شالله قرد بشتالك، اركب وين ما بدك تركب، ياختي والله الواحد من يوم ما أجا ما بعرف يحكي كلمتين على بعض عربي، نسيت اللغة ، كل كلامي لندني"

المهم أن اليوم مر على خير بدون أي جرائم الا من بعد الإصابات الطفيفة،" بعد ما ركبو ولاد سهى كل الكارات الي صافة قدام منتزه البلدية، وفقعوا البلالين الي عارضها عم محمد صاحب كشك الألعاب، أمام منتزه البلدية" واضطررت أنا إلى دفع ثمنها لأن سهى "ما معها عملة إسرائيلي وكل الي معها لندني" هذا بالإضافة إلى ان أزهار المنتزه جميعها قد سحقت على يد أبناء سهى القادمين من لندون!!، واضطررت للتدخل حتى أنقذ شجرة الصنوبر العالية المعمرة، التي حاولوا أبناء سهى جاهدين، قطعها لحملها على ظهورهم إلى "صفورية"  بناء على وصية جدهم، لاستخدامها للتدفئة في الوكر، اقصد، الديوان الذي يجلس فيه الجد أمام باب بيتهم في منتجع صفورية البلد.

وبعد أن أصيبت ابنتي الصغرى إصابة شبه بالغة في عينها لأن ابن سهى كان يداعبها مودعاً عندما ضربها "بكس" على سبيل الدعابة فورمت عينها، وبكت كثيرا حتى نامت، وأبكتني معها، وسهى تكمل دعابة ابنها وتنظر شررا في وجه طفلتي وتمصمص شفتيها مرددة" والله غنج بنات، والله هادا اسمه قلة قتل"

لكن والله ما هدأ لي بال الا عندما سافرت سهى إلى لندون، ثم ذهبت إلى قرية صفورية  استطلع أخبارها، متلهفة إلى معرفة حقيقة" قصة لندون".
توجهت إلى وكر، اقصد ديوان أسرتها لأسأل عنها، ويا محاسن الصدف، فبعد ان دققت الباب خرجت سهى بكامل أناقتها، مرتدية جلابية مخططة ملطخة برائحة لحم الخروف الطازج، وهي تحمل مصرانا طويلا في يدها كانت تعمل على تنظيفه، ورائحته النفاثة، تعبق المكان ، وصوت زوجها جاعرا من خلفها: ولك خلصت تنظيف الفوارغ ولا لا يا مره ، انهي بدنا نحشيها، الناس بستنو، موتينا من الجوع، ايش هالطبخة المسخمة هادي، حمرة تكك وتك اليوم الي أخذتك فيه"
نظرت إليها من طرف عيني- أخبرتكم أنني لم أصدق حكاية لندون - فقررت أن استغل موقف الفوارغ إكراما للصداقة الرقيقة الجياشة المليئة بمشاعر الصدق والإخلاص التي جمعتنا يوماً.

- أنا: طب يا سهى ايش بدكو تعملوا على الفوارغ، محشي ورق عنب، ولا ملوخية.
- سهى: لا والله بدنا نعمل فت رقاق، ادخلي والله بنت حلال من حظك، ثم شهقت فجأة وقالت: الحجة عمت عينها وهي تصيح- الحجة طبعا حماتها التي تنفخ في فرن الطينة، وتخبز لنا الرقاق الذي سنأكله بعد لحظات، مع مصارين الخروف إياه..._ " ما علينا" وتكمل سهى: الحجة بدهاش ايانا نسافر، صعبت علينا دموعها والله قلنا يالله بعين الله، بطلنا نسافر، ثم تابعت: أصلا فش فرق بين صفورية ولندون، يعني هي لندون من حلاوتها، والله كلها كارات بحمير معبية الشوارع ,الله بعين ، أهلا وسهلا أهلا وسهلا..
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

للرجال فقط..........

 رشا فرحات

يمكن تقولوا انتو يا رجال دوشتينا، خوتينا، من يوم ما وعينا...حلوة على القافية....لأنو انأ من يوم ما عرفت الكتابة وانا بحب اكتب في قضايا المرأة ولا شيء الا المرأة، لكن شو اعمل هي هيك بلاوينا كتيره، وانتو هيك، كل ما حكينا معكو بصراحة، بتقولوا انو احنا بنحب النكد، وفش حدا على فكرة بحب النكد، لأنو أصعب اشي في الدنيا الحياة في النكد.
لا وأسهل اشي عندكو، واكتر اشي بقهر، عند أي كلمة بتلبسوا وتطلعوا، بحجة التعصيب والهروب من النكد، بس ما تخافوش يعني لما ترجعوا راح تلاقوا نكد، لانو ببساطة انتو اهربتو من النكد، بس احنا ما هربناش، لسة بنكون قاعدين بنستنى في نفس جو النكد، هادا اذا ما زادش عليه شوية نكد ونكد من هنا وهناك، هادا ماما بدي أنام، وهادا ماما بدي ادرس، وهادا مشغل التلفزيون وكأنه بتفرج على السينما، كل الحارة بتسمع معه، وهادي من الصبح خوتتني أسئلة وبرم برم، وهادا بشرحله الدروس ما بفهم، وبطلع عيني، وهادي الصغيرة بتفتح وبتسكر مية مرة بباب الثلاجة، مرة بتكسر البيض، ومرة بتكب الحليب، ومرة بتفتح علبة الحمص وبتدهن وجهها واواعيها، وباب المطبخ مفتاحه ضايع، وانا اذا طلبت من زوجي يجيبلي مفتاح، المفتاح بيجي بعد ما البنت بتكون كبرت ووعيت، وبطلت تفتح باب الثلاجة وتكب الأكل على الأرض، وبكون أنا أدمنت فننا جديدا من فنون النكد، ويمكن أكون بطلت أحس باشي، يعني بتصير العملية إدمان، وطبعا اذا لم نتحدث عن تغير الجو الي ما بذكر آخر مرة طلعنا مع بعض امتى كان، اعتقد انو كان الصيف الي فات،  ، بس هو وعدني مرة من ذات المرات انو يطلعني نتمشى في مكان يكون في خضرة وزهور، والربيع على الأبواب، لكن الوعد كالعادة لم يحقق، وهلم جر، لو بدي افتح ، قلمي بخلص، والكهربا بتقطع وهات الي يسكتني، بس والله نفسي فيها العمله الي بتعملوها،  يا سلااااااااااام، نفسي فيها والله ، نفسي أصير احكم على حالي، ألبس واطلع هيك واجري على الشارع، بدون ما حدا يقلي" وييييييييييييين"

المهم... كان لا بد من هذه المقدمة، ما هو يوم الثامن من آذار " يوم المرأة العالمي يعني، للرجال الي غاوين استهبال وتتطنيش"، فل نبدأ المقال بجد بجد ..
..................

في يوم الثامن من آذار كنا نقوم على " تلقيط" رطل من الملوخية، حينما جاءت جارتي لتزورني على سبيل شرب فنجان قهوة في " الصبحية، وعلى الرغم من عدم حبي وتفرغي أصلاً لهذه التقاليد والطقوس" النسوية، إلا أنني رحبت بها أشد ترحيب، وعرفتها على صديقتي التي كانت تزورني أيضاً، لتبادل بعض الأفكار التي تخص  ما نكتب
..................
بعد شرب القهوة والشاي، ووصولاً إلى لحظة" خرط" الملوخية، بدءنا نتبادل أطراف الحديث أنا وصديقتي عن يوم المرأة العالمي، الذي اقترب موعد الاحتفال به.
- صديقتي تسأل: هل ستكتبين شيئا بمناسبة الثامن من آذار
- أنا: بالتأكيد، هذا يوم المرأة ويتطلب منا الكتابة بالتأكيد
تتدخل جارتي لتملي علي ما أريد أن اكتب متسائلة:" ياختي إلي بدكو تكتبو ايش بدو يفيدنا، يعني لو قريته لجوزي بنبسط"
ضحكت أنا بالطبع، فجارتي كل همها في الدنيا هو ان ينبسط جوزها أبو محمد، رددت عليها سريعاً
- أنا: " يام محمد، احنا بنكتب عشان انت الي تنبسطي"
- جارتي ام محمد: طب ايش بدك تكتبي
- أنا: بدي اكتب على المساواة، حقوق المرأة في الميراث، حمايتها من العنف، حقها في العمل، في التعليم، كل هادي شغلات بنطالب فيها من يوم ما صرنا نكتب في قضايا المرأة، هدا غير قضايا كتير يام محمد...
- جارتي:" طب ياختي توكلي على الله، والله السنة الي فاتت أعطوني إخواني ميراثي من أرض أبويه، الله يرضى عليهم، بس حلف علي ابو محمد، ما بدخل الدار الا وانا كاتبه قطعة الأرض باسمه"
قفزت صديقتي" الكاتبة" تضحك باستغراب: هذه حقوق مركبة يا م محمد.
دافعت جارتي بكل ما اوتيت من قوة عن حقوق زوجها"  شو يعني مركب، ياختي مش هو مهنيني، والله بعطيني مصروف متين شيكل بالشهر، زي أستاذ الانجليزي الي بجيبو لمحمد، شفتي باخد بالضبط زيه، والله كأني استاذ انجليزي" ، " والمؤلم المضحك ان ابو محمد تاجر كبير ويدخل عليه ما لا يقل عن عشرين ألف دولار في الشهر"

وتكمل أم محمد هتافاتها:" ايش بدي اكتر من هيك، والله ما منقص علي اشي، والدور الي فات جابلي جلابية بخمسين شيكل" خطرة وحدة" ، ايش بدي اكتر من هيك، ودار أهلي بروح بزورهم كل شهر مرة، ومش منقص علي اشي، ضلكو انتو بس بحوا بصوتكو وصرخوا واهتفوا، والله ما بدو جمعية للحقوق غير هالرجال الي ظالمينهم"

طبعاً صديقتي بدأت تشتعل من غيظها، وهمت بالرد عليها والإشعال بها أيضاً، ولكني غمزتها ولمزتها لأبين لها أن لا فائدة من الحديث معها.

- أنا: طب يام محمد مين الي كان بصرخ الدور الي فات عباب العمارة، وبقول الحقوني الحقوني، وشردتي على الشارع من حلاوة الروح مورمة من الضرب

- ام محمد بارتباك:ياختي هو في حدا بضربش مرته، وبعدين ضرب الحبيب ياختي...
- أنا : ضرب الحبيب ، كلي ضرب ما دام هيك، الله لا يردك.

خرجت ام محمد، ومن حسن حظنا أننا استطعنا إنهاء طبخة الملوخية، حتى لا يأتي زوجي ويتهمني بالخروج للمشاركة في احتفالات يوم المرأة، دون ان أترك في البيت شيئاً يضعه في فمه بعد ان يعود من عمله" الشااااااااااااااااااااااااااااق" كما يقول لي يومياً.  

في الطريق، رأيتهن جميعاً، وكأن الأقدار أرسلتهن دفعة واحدة. 
رأيت بائعة الجبن التي حلفت لي في المرة السابقة، أنها تبيع الجبن لكي تصرف على أبناءها في الجامعة، وبأن ابنها الدكتور تخرج منذ عام وسافر الي الخارج ولم يتعرف عليها منذ ذلك الوقت، وزوجها يخطف مالها ليشرب " الخمر"

وبعد ان مشينا قليلا شاهدت الخياطة فاطمة" تلك التي تنازلت عن ارثها لإخوتها، لأنهم هددوها بقتل ابنها، ثم طلقها زوجها لأنها تنازلت عن المال الذي يعتبره – حق من حقوقه هو أبناءه- وليس حقها لوحدها، وأتذكر كلمتها لي وهي تقهقه قبل شهرين" وكان الضحك بسبب وبدون سبب عادتها الملازمة لها:" ياختي أبني ما بقدرة بكل مصاري الدنيا"

وقبل ان نستقل السيارة رأيت " سهاد" تلك الفتاة الرقيقة، التي كانت طالبة في كلية الهندسة قبل خمسة أعوام، قبل ان تجبر على الزواج، وترك دراستها، وقبل ان يربط بأطرافها بأربعة أطفال، وقبل أن يصبح البكاء بسبب وبدون سبب هو عادتها الملازمة لها، وقبل أن تلتزم الصمت على أسرار في داخلها تعذبها، وأغلبها لا يمكن أن يحكى...

نظرت إلى صديقتي، التي بدأت تحكي كعادتها" ما معنى ان أكون جالسة بجانبه وهو يقوم بعمل اتصالاته ليستدعي " شلة الشدة" وانا بلف وبدور وبحسب كيف بدي ادرس الأولاد الي عليهم امتحانات، وانا تعبانه من دور الأنفلونزا، كتير ومرهقة، ومش قادة حتى أنظف بيتي، طبخت، ومسحت، وهو قاعد بتفرج بكل برادة، وبالاخر بقولي شكلك تعبانه، وانا صرت أخاف احكي اذا كنت تعبانه، لأنو بصير يضحك ويقول: ما اكتر ما بتمرضي، خلص انت ختيرتي، أتطلع في وضحك وطلع، بعتله رسالة على الجوال قلتله ايش بتقدر تعمل لوحدة تعبانه ودايخة وولادها عليهم بكرة امتحانات، تخيلي ، حتى رد على رسالتي ما رد .."

فكرت بهم جميعا، فكرت بنفسي،  ثم أعدت حساباتي عائدة الي منزلي لأغلق بابي وأبدأ بالبكاء..

المطالبة بتنحي أبو قردان ....

 رشا فرحات

في صباح يوم ما، مشرق على ما أعتقد، فتحت التلفزيون، على مصراعيه كما افتحه في كل مرة، وقلبت في وضع روتيني اليومي، ممدد على السرير، ومتابع بتركيز بين الجزيرة والعربية أنقل دماغي وتركيزي، كي لا تفوتني فائتة، من بين مصراته وبنغازي، ودرعه، والتحالفات، والتوقعات، وأحيانا افتح على قناة ليبيا، في محاولة لتغير جو النكد إلى جو من النكت.

"هوب" صرخت بأعلى حنجرتي وأنا أرى صورة جاري، أبو قردان ، أقصد أبو قادر، لكن هو لقب قردان "هيك شهرة"، وجدته يعتلي الشاشة بوجهه "الذي يقطع الخميرة"، وقد أعلنت الأخبار أنه أصبح وزيراً في حكومة...." أتحداكم تعرفوا أي حكومة فيهم" المهم هو " متقّبع" ببدله رمادي وقميص مخطط وجرا فتة لونها زهري، تخيلوا " زهري يا أبو قردان" الله يرحم لما كنت تشتري اواعيك من عند أبو عيد إلي مبسط بسوق فراس"

 المهم ، بسرعة البرق أمسكت بالهاتف لأتصل على بقية رجال الحارة وأتأكد من صحة الخبر، وقبل أن يرن الخط الآخر حدقت للحظة في محاولة للتأكد في وجه أبو قردان قبل أن أكمل المكالمة:" هو هو بعينو، الله يهدو، ويهد إلي حاطه"

وأبو قردان هو أحد بلطجية الحارة، ويحمل في رأسه كماً هائلاً من العبط، والتناحة، والاستهبال،"كوكتيل هيك"،  لكنه يتحامى في عائلة كبيرة، ورثت التناحة أباً عن جد، وأبت أن تفارق هذه المهنة، حفاظاً على تقاليدها وخوفاً على موروثها من الضياع، وأذكر انه قد أنجب عشرين ولداً، وزعهم في الحارة بالترتيب وبشكل ممنهج ليسرقوا ساندويتشات الأولاد وهم ذاهبون إلى مدارسهم، في مهمة صباحية تبدأ مع طلوع فجر الصباح، وفي عودتهم يوزعهم على " زوايا" الطريق، ليسرقوا أكياس الخضار من "نسوان الحارة"- إحنا عنا النسوان بطلعوا على سوق الخضرا مش الرجال- ، المهم أننا نحن"هص هص، ولا حدا طبعاً ممكن يفتح تمو ويحكي"

ما علينا، من طقوس عائلة أبو قردان أيضاً، إطلاق النار عمال على بطال، "وكل ما واحد عصب في بيتهم، بطلع على الشارع حامل كلاشين ومادد بوزه شبرين وبطلقله أربع خمس طلقات نارية فذة"،  معلناً رجولته لأخوته الجالسين خلفه، وهم يتفرجون على برنامج" المحقق كونان" والذي يعتبر مرجعاً ثقافياً لكل أبناء العائلة.

وللسيد أبو قردان خمسة وعشرين أخ ولد لكل منهم عشرة أو خمسة عشر ولداً، وإذا حسبنا الحسبة، وقسمنا وضربنا، وعملنا الوسط الحسابي للمجموعة، بتطلع العائلة تحوي مائة إلى مائتين رجل مشرد، أو قابل للتشرد،" بالإضافة أنهم مالهمش أي لزمة في المجتمع"، ما عدا طبعاً فائدة واحدة وهي صيد الفئران في الحارة، وقد كانت هوايتهم الفضلة منذ قديم الأزل، فقد كانوا يخرجون كل خميس، متطوعين لتنظيف الحارة من العرس والفئران، ويبدءوا بتوزيع الأسلحة بالترتيب، ثم إعداد جيش طويل يصطفون عبر الشارع العريض، صف أول مكون من أطفال العائلة، حفاة الأقدام، ويلبسون جميعهم شورتات حمرا، وبلايز مخططة، وصف ثاني، مكون من شباب العائلة الممسكين هرواتهم الثقيلة ونصفهم ينام واقفاً دون تركيز، لكن مضطرين، طقوس أسبوعية للعائلة.

ثم يبدءوا  بتنفيذ خطتهم المحكمة التي تنتهي عادة بقفص مليء بالفئران، من خمسين إلى سبعين فأر، حسب حسبة الوسط الحسابي الأنفة الذكر، عفواً أنا راسبة في الإحصاء مرتين، ويجتمع أطفال الحي بأذن من كموندور العائلة "أبو قردان" لمشاهدة الفئران المحبوسة مقابل شيكل واحد لكل فرد،" والي مش حيدفع، حياكل قتله، والي بدوش يطلع من داره حيدفع خمسة شيكل، ويأكل قتلتين، يعني إجباري الفرجة، مش بكيفك"، هذا قبل أن تحمل الفئران إلى داخل مقر العائلة ويبدأ الأطفال بإعدامها تباعاً.

المهم أبو قردان" صار وزير يا ولاد"، " يا سخام البين كملت"  أقفلت شاشة التلفزيون وبدأت بالنحيب والعويل، حتى جاء جاري أبو محمد  يواسيني بالنكبة الكبيرة التي حلت بنا،"  وأنا إلي كنت عامل حالي مثقف الحارة، وكل كلمة عندي بحساب، ونازل ماجستير ودكتوراه، وبحث وروا بحث، ونقد للحركة الأصولية، والبهائية والخربطية، ناهيك عن كتابات الحداثة، "وعامل فيها مثقف، هي أكلنا هوا من ورا الثقافة".

قررت أن أستغل فرصة زيارة أبو محمد، وأدعو كل رجال الحارة، وأبدأ بعرض خطتي أنا الآخر، عارضاً عليهم الاستعانة، بكل وسائل الإعلام، لفضح هذه الممارسات والافتراءات، وأن أفهمهم، بأني أنا أولى بالمنصب المذكور، أقصد المؤهلين، هم أولى بالمنصب.

 وبدأت أخططت لعمل ما يشبه الانقلاب أو الاعتصام للمطالبة بحقوقنا.  وبتشجيع منهم، بدأنا نشتري الأعلام، ونكتب "قارمات- يافطات- لوحات" زي ما بدكوا سموها"، وذلك  لنرفعها في يوم الجمع الأكبر، يوم المطالبة بتنحي" أبو قردان" عن الوزارة، وبدأنا نعد لنا مجموعة لحشد الهمم، عبر" الفيس بوك" وعلى الرغم من أنني أول مرة باسمع فيه من قناة العربية لما كانت تستعرض أسباب سقوط مبارك".

 لكن فكرت أنا أيضاً أن استخدمه، وأطلقت على حملتنا حملة 16 آذار" ما هو آذار شهر البلاوي والمصايب والنكبات كلها"، وكنا نفضل لو أخذنا يوم 15 آذار لكننا بحثنا فوجدناه محجوزاً لمجموعة أخرى تعد ثورة من نوع أخر، فحجزنا بدلاً منه يوم 16، " وهي من 15- ل16 مش فارقة يعني"

وبدأت العمل بمساعدة أبنائي" مدمنين الفيس بوك" وظهرت فضائحهم علناً، وكل منهم له صداقات بالألوف من كل مكان في العالم، هذا عدا الفيديوهات التي تعرض علنا أمام إلي بسوا والي ما بسوا، وهمست في نفسي شاعراً بالذل لحاجتي إليهم" طيب يا ولاد الكلب بس تخلص هالمعمعة، بورجيكوا، انتو والفيس بوك تبعكو..أقصد تبعنا..

وجمعت عبر طريقة السحر المسماة الفيس بوك، ما يقارب عشرة ألاف من المتضامنين، والمقدرين، والمجربين بلاوي وظلم أبو قردان، وبدأنا نجمع الأعلام، ودهنت وجهي ووجوه أبنائي وزوجتي" غصب عنها"  كلنا بلون أسود، مستعينين ببعض من الزفتة، ورغم أني تشاجرت معها قبل الخروج لأنها تفضل حمل الطنجرة التيفال الجديدة لتطبل عليها وتغيظ بها كل المتظاهرات، لكنها أصرت فقبلت إكراماً لتحقيق الهدف المطلوب.

وانطلقنا جميعاً إلى حيث تواعدنا في ميدان ...هو ميدان من الميادين، وبعثت رسالة الانطلاق عبر جوالي إلي صفحتي في الفيس، بشكل سري وحصري، لأن من يعلم من الجهات المسئولة، ربما سوف يبعث لي بهكر" ولا تسألني ما الهكر عشان أنا بعرفش" المهم انو الصفحة رح تروح وخلاص، بفعل الهكر.

ووصلت وأبنائي وزوجتي المدهونة بالأسود، والتي كلما نظرت إليها قفزت رعباً وفكرت بالعودة، ولكني واسيت نفسي قائلاً"  أنا بإذن الله سوف أطلقها وأتزوج أخرى، عندما أتقلد موقع أبو قردان بعد خلعه".
انتظرنا طويلاً ومالت رؤوسنا من شدة الحر، والزفتة المدهونة فوق وجوهنا أصبحت تغلي محرقة ما تحتها من جلد وجوهنا، وأنا انتظر المتظاهرين الزملاء الأعزاء حتى يأتوا لنبدأ بالهتاف ورفع الأعلام، لكنهم لم يأتوا، ولم تظهر أي علامات لقدومهم،  وأصبحنا أنا وأبنائي وزوجتي فرجة للمارين، ومن وسطهم كان " صديقي محمود" ماراً فأوقفته وحجزته حجزاً إجبارياً للمشاركة معنا" مانا مش لاقي حدا" وأتى الصحفيون حسب الموعد المحدد، وبدءوا بتصويرنا، وسؤالنا عن سبب وقفتنا المميزة تلك، وأنا أتحاشى الإجابة على السؤال، أملاً في قدوم" الغيّاب" حسب الموعد المحدد للاعتصام.

وعندما فقدت الأمل، وازدادت أسئلة الصحفيين" إلي نازلين طق بهالصور، أجبتهم، وعلامات الذل والهوان تغمرني:  حاطين على وجوهنا شوية زفته، بيقولوا الزفتة منيحة للحساسية المفرطة، صارلنا عشرين يوم بنهرش ومش لاقين علاج....وهيك روحنا على الدار هاربين، قبل أن تأتي الشرطة وتأخذنا إلى حيث لا نريد..