الثلاثاء، 29 مارس 2011

المطالبة بتنحي أبو قردان ....

 رشا فرحات

في صباح يوم ما، مشرق على ما أعتقد، فتحت التلفزيون، على مصراعيه كما افتحه في كل مرة، وقلبت في وضع روتيني اليومي، ممدد على السرير، ومتابع بتركيز بين الجزيرة والعربية أنقل دماغي وتركيزي، كي لا تفوتني فائتة، من بين مصراته وبنغازي، ودرعه، والتحالفات، والتوقعات، وأحيانا افتح على قناة ليبيا، في محاولة لتغير جو النكد إلى جو من النكت.

"هوب" صرخت بأعلى حنجرتي وأنا أرى صورة جاري، أبو قردان ، أقصد أبو قادر، لكن هو لقب قردان "هيك شهرة"، وجدته يعتلي الشاشة بوجهه "الذي يقطع الخميرة"، وقد أعلنت الأخبار أنه أصبح وزيراً في حكومة...." أتحداكم تعرفوا أي حكومة فيهم" المهم هو " متقّبع" ببدله رمادي وقميص مخطط وجرا فتة لونها زهري، تخيلوا " زهري يا أبو قردان" الله يرحم لما كنت تشتري اواعيك من عند أبو عيد إلي مبسط بسوق فراس"

 المهم ، بسرعة البرق أمسكت بالهاتف لأتصل على بقية رجال الحارة وأتأكد من صحة الخبر، وقبل أن يرن الخط الآخر حدقت للحظة في محاولة للتأكد في وجه أبو قردان قبل أن أكمل المكالمة:" هو هو بعينو، الله يهدو، ويهد إلي حاطه"

وأبو قردان هو أحد بلطجية الحارة، ويحمل في رأسه كماً هائلاً من العبط، والتناحة، والاستهبال،"كوكتيل هيك"،  لكنه يتحامى في عائلة كبيرة، ورثت التناحة أباً عن جد، وأبت أن تفارق هذه المهنة، حفاظاً على تقاليدها وخوفاً على موروثها من الضياع، وأذكر انه قد أنجب عشرين ولداً، وزعهم في الحارة بالترتيب وبشكل ممنهج ليسرقوا ساندويتشات الأولاد وهم ذاهبون إلى مدارسهم، في مهمة صباحية تبدأ مع طلوع فجر الصباح، وفي عودتهم يوزعهم على " زوايا" الطريق، ليسرقوا أكياس الخضار من "نسوان الحارة"- إحنا عنا النسوان بطلعوا على سوق الخضرا مش الرجال- ، المهم أننا نحن"هص هص، ولا حدا طبعاً ممكن يفتح تمو ويحكي"

ما علينا، من طقوس عائلة أبو قردان أيضاً، إطلاق النار عمال على بطال، "وكل ما واحد عصب في بيتهم، بطلع على الشارع حامل كلاشين ومادد بوزه شبرين وبطلقله أربع خمس طلقات نارية فذة"،  معلناً رجولته لأخوته الجالسين خلفه، وهم يتفرجون على برنامج" المحقق كونان" والذي يعتبر مرجعاً ثقافياً لكل أبناء العائلة.

وللسيد أبو قردان خمسة وعشرين أخ ولد لكل منهم عشرة أو خمسة عشر ولداً، وإذا حسبنا الحسبة، وقسمنا وضربنا، وعملنا الوسط الحسابي للمجموعة، بتطلع العائلة تحوي مائة إلى مائتين رجل مشرد، أو قابل للتشرد،" بالإضافة أنهم مالهمش أي لزمة في المجتمع"، ما عدا طبعاً فائدة واحدة وهي صيد الفئران في الحارة، وقد كانت هوايتهم الفضلة منذ قديم الأزل، فقد كانوا يخرجون كل خميس، متطوعين لتنظيف الحارة من العرس والفئران، ويبدءوا بتوزيع الأسلحة بالترتيب، ثم إعداد جيش طويل يصطفون عبر الشارع العريض، صف أول مكون من أطفال العائلة، حفاة الأقدام، ويلبسون جميعهم شورتات حمرا، وبلايز مخططة، وصف ثاني، مكون من شباب العائلة الممسكين هرواتهم الثقيلة ونصفهم ينام واقفاً دون تركيز، لكن مضطرين، طقوس أسبوعية للعائلة.

ثم يبدءوا  بتنفيذ خطتهم المحكمة التي تنتهي عادة بقفص مليء بالفئران، من خمسين إلى سبعين فأر، حسب حسبة الوسط الحسابي الأنفة الذكر، عفواً أنا راسبة في الإحصاء مرتين، ويجتمع أطفال الحي بأذن من كموندور العائلة "أبو قردان" لمشاهدة الفئران المحبوسة مقابل شيكل واحد لكل فرد،" والي مش حيدفع، حياكل قتله، والي بدوش يطلع من داره حيدفع خمسة شيكل، ويأكل قتلتين، يعني إجباري الفرجة، مش بكيفك"، هذا قبل أن تحمل الفئران إلى داخل مقر العائلة ويبدأ الأطفال بإعدامها تباعاً.

المهم أبو قردان" صار وزير يا ولاد"، " يا سخام البين كملت"  أقفلت شاشة التلفزيون وبدأت بالنحيب والعويل، حتى جاء جاري أبو محمد  يواسيني بالنكبة الكبيرة التي حلت بنا،"  وأنا إلي كنت عامل حالي مثقف الحارة، وكل كلمة عندي بحساب، ونازل ماجستير ودكتوراه، وبحث وروا بحث، ونقد للحركة الأصولية، والبهائية والخربطية، ناهيك عن كتابات الحداثة، "وعامل فيها مثقف، هي أكلنا هوا من ورا الثقافة".

قررت أن أستغل فرصة زيارة أبو محمد، وأدعو كل رجال الحارة، وأبدأ بعرض خطتي أنا الآخر، عارضاً عليهم الاستعانة، بكل وسائل الإعلام، لفضح هذه الممارسات والافتراءات، وأن أفهمهم، بأني أنا أولى بالمنصب المذكور، أقصد المؤهلين، هم أولى بالمنصب.

 وبدأت أخططت لعمل ما يشبه الانقلاب أو الاعتصام للمطالبة بحقوقنا.  وبتشجيع منهم، بدأنا نشتري الأعلام، ونكتب "قارمات- يافطات- لوحات" زي ما بدكوا سموها"، وذلك  لنرفعها في يوم الجمع الأكبر، يوم المطالبة بتنحي" أبو قردان" عن الوزارة، وبدأنا نعد لنا مجموعة لحشد الهمم، عبر" الفيس بوك" وعلى الرغم من أنني أول مرة باسمع فيه من قناة العربية لما كانت تستعرض أسباب سقوط مبارك".

 لكن فكرت أنا أيضاً أن استخدمه، وأطلقت على حملتنا حملة 16 آذار" ما هو آذار شهر البلاوي والمصايب والنكبات كلها"، وكنا نفضل لو أخذنا يوم 15 آذار لكننا بحثنا فوجدناه محجوزاً لمجموعة أخرى تعد ثورة من نوع أخر، فحجزنا بدلاً منه يوم 16، " وهي من 15- ل16 مش فارقة يعني"

وبدأت العمل بمساعدة أبنائي" مدمنين الفيس بوك" وظهرت فضائحهم علناً، وكل منهم له صداقات بالألوف من كل مكان في العالم، هذا عدا الفيديوهات التي تعرض علنا أمام إلي بسوا والي ما بسوا، وهمست في نفسي شاعراً بالذل لحاجتي إليهم" طيب يا ولاد الكلب بس تخلص هالمعمعة، بورجيكوا، انتو والفيس بوك تبعكو..أقصد تبعنا..

وجمعت عبر طريقة السحر المسماة الفيس بوك، ما يقارب عشرة ألاف من المتضامنين، والمقدرين، والمجربين بلاوي وظلم أبو قردان، وبدأنا نجمع الأعلام، ودهنت وجهي ووجوه أبنائي وزوجتي" غصب عنها"  كلنا بلون أسود، مستعينين ببعض من الزفتة، ورغم أني تشاجرت معها قبل الخروج لأنها تفضل حمل الطنجرة التيفال الجديدة لتطبل عليها وتغيظ بها كل المتظاهرات، لكنها أصرت فقبلت إكراماً لتحقيق الهدف المطلوب.

وانطلقنا جميعاً إلى حيث تواعدنا في ميدان ...هو ميدان من الميادين، وبعثت رسالة الانطلاق عبر جوالي إلي صفحتي في الفيس، بشكل سري وحصري، لأن من يعلم من الجهات المسئولة، ربما سوف يبعث لي بهكر" ولا تسألني ما الهكر عشان أنا بعرفش" المهم انو الصفحة رح تروح وخلاص، بفعل الهكر.

ووصلت وأبنائي وزوجتي المدهونة بالأسود، والتي كلما نظرت إليها قفزت رعباً وفكرت بالعودة، ولكني واسيت نفسي قائلاً"  أنا بإذن الله سوف أطلقها وأتزوج أخرى، عندما أتقلد موقع أبو قردان بعد خلعه".
انتظرنا طويلاً ومالت رؤوسنا من شدة الحر، والزفتة المدهونة فوق وجوهنا أصبحت تغلي محرقة ما تحتها من جلد وجوهنا، وأنا انتظر المتظاهرين الزملاء الأعزاء حتى يأتوا لنبدأ بالهتاف ورفع الأعلام، لكنهم لم يأتوا، ولم تظهر أي علامات لقدومهم،  وأصبحنا أنا وأبنائي وزوجتي فرجة للمارين، ومن وسطهم كان " صديقي محمود" ماراً فأوقفته وحجزته حجزاً إجبارياً للمشاركة معنا" مانا مش لاقي حدا" وأتى الصحفيون حسب الموعد المحدد، وبدءوا بتصويرنا، وسؤالنا عن سبب وقفتنا المميزة تلك، وأنا أتحاشى الإجابة على السؤال، أملاً في قدوم" الغيّاب" حسب الموعد المحدد للاعتصام.

وعندما فقدت الأمل، وازدادت أسئلة الصحفيين" إلي نازلين طق بهالصور، أجبتهم، وعلامات الذل والهوان تغمرني:  حاطين على وجوهنا شوية زفته، بيقولوا الزفتة منيحة للحساسية المفرطة، صارلنا عشرين يوم بنهرش ومش لاقين علاج....وهيك روحنا على الدار هاربين، قبل أن تأتي الشرطة وتأخذنا إلى حيث لا نريد..









ليست هناك تعليقات: