الأحد، 28 أبريل 2013

زملائي الإعلاميين .. بمناسبة الظلم إلي واقع علينا !!




رشا فرحات
شوف ، بمناسبة يوم إلي مش عارفة ايش هو، للدفاع عن مش عارفة ايش للصحفيين، حبيت اكتب هالكلمتين عن تجربتي الشخصية كصحفية ، التجربة المليئة بالمحن والعقد، والبلاوي، إلي كلها انتهاكات للحريات الصحفية.

أول تجربة في العمل كانت منذ عشر سنوات ونيف، يااااااه ذكريات، والله هاليوم قلب علي المواجع،  كنت متخرجة من الجامعة طازا، والخريج الطازا مسكين، يثق بكل شيء، ابياااااااااض وقلبه مفتوح، ويحمل بين أضلعه رسالة سامية، وكنت واضعة حلقة في إذني اسمها الحرية والاستقلالية والموضوعية والحياد، والسخام....الخ من نظريات الإعلام العالمية التي درستها بمؤلفات كتبها إعلاميون كبار، اكتشفت لاحقا بفهلوتي!!!!! أنهم  لم يطبقوا شيئاً مما جاء فيها، لأنه وبعد هذا العمر المديد من الكتابة والبكاء والولوله على القلم والعلم الذي دفع فيه أبائنا دم قلوبهم عشان يقولوا عنا صحفيين، نكتشف انه لا توجد مؤسسة إعلامية على وجه الأرض تلتزم بالحياد.



المهم نعود لبداية التخرج الطازة، ذهبت لاستلام التدريب( مع العشم بالتوظيف الحكومي) في وزارة الشباب والرياضة، للسلطة السابقة، عشان ما حدش ينسى إني ما قلتش، من عشر سنوات، لأني لم اطرق باب أي من الحكومات للسلطة الحالية، ومش حطرق، مش عشان عندي حياد، بل لأنهم يطرحون في امتحاناتهم أسئلة تعجيزية، وصديقتكم الصحفية خيبانه، لا تملك ثقافة كافية لتجيب عن أسئلة الامتحانات الحكومية لأنها وضعت للعباقرة من أبناء الشعب الخريجين، ولأن الحكومة وعدت بأنها ستصرف لهم راتب ضخم شهرياً وتأمين صحي وسيارة وسكن، وبدل سفر، وإجازة سنوية، في منتجعات شرم الشيخ للترفيه عنهم، وللتقليل من أوجاع الحصار، وقطعة الكهربا، وتدريب في أعظم المؤسسات الدولية الإعلامية، ولأن الإعلاميين لدينا يفوقون حسنين هيكل في الثقافة والإبداع والخبرة، لذلك قررت أن تهلكهم بالأسئلة وتذلهم بالراتب العظيم قبل أن تعطيه لهم!!!!!!!!!

نعود للخريج الطازا.. ذهبت لاستلام العمل، الذي قضيت فيه ثلاث سنوات- صامدة والله- وأنا أروح وأجيء على أمل التثبيت، وأخذ من مديرتي مبلغ 500 شيكل شهر آه وشهر لا، (آه ما أنا مضحكة) ولم أكن أدري من أي ميزانية تدفع لي تلك المديرة هذه المكافأة العظيمة، مش عارفة، من جيبة أبوها، مش عارفة، من جيبة الحكومة، كيف؟!! من جيبة الشعب الغلبان، أكيد، وبقي مصدرهم الأكيد مجهولاً بالنسبة لي حتى هذه اللحظة، وتركت العمل بعد إنجاب طفلي الثاني، بعد أن سئمت وضجرت، وضجر زوجي( عارفة حتقول بدري عليكوا)، وتركتهم وكلي قناعة أن الرزق بيد الله.

والملفت للنظر، والمضحك المبكي أيضاً لنا نحن الصحفيين والمستفز في كثير من الأحيان أن الجمهور المقرب لنا، من أقارب وأصحاب، ومشاهدين وقراء ومستمعين، والناظر للصورة من الخارج، والذي يسمع كلمة، إعلامي، صحفي، مذيع، مقدم برامج ، يقول عندما يسمع ذلك، واااااااااااو، أشي بجننن، ويعتقد أننا، ما شاء لله، غنينا من هالمهنة.

 وبيني وبينك كل إلي صار معي أنا بالذات، عشان أنا بحبش أحكي باسم حدا، بحب أحكي عن نفسي بس، لأنو برضو بقدرش أنكر انو في ناس غنيوا، وصاروا بين يوم وليلة، متحدثين إعلاميين رسميين، بجدارتهم يا عم، ما قلناش أشي.

 لكن عن نفسي كل ما حدث معي كان بسبب البحث عن النزاهة، يعني صرت بدي أبيع الشهادة في السوق السودة، لأنني لم ادرس حالة السوق الإعلامية، ولم أكن اعلم أن الموضوعية أمانة ربطت في رقابنا نحن الصحفيين، وبما أن الأمانة الإعلامية ليس لها أصحاب سخرهم الله لحملها، فإنني لم استطع حملها، فقطعت الحبل الذي يربطني بها ودخلت إلى عالم الإعلام الحزبي بعد أن عملت مع مؤسسة تابعة للحكومة الفتحاوية، وكانت ما شاء الله قد نصّبت علينا مدير للمركز الإعلامي لا يحمل الثانوية، ولا يعرف التفريق بين التاء المفتوحة والتاء المربوطة، فتركت العمل مباشرة قبل أن أكمل عام لأنني متيقنة أن مجاورة الجهلاء أعظم كارثة يمكن أن تقع على الإنسان، وحفاظاً على قواي العقلية كتبت في مديري مقال مضحك ومسخرة، فشيت فيه كل غلي، وباسم مجهول، عشان ما يقولوش رشا مشت وراها واحد .... في أخر هالعمر، ثم تركت العمل مضحية بمبلغ ألف شيكل" مرة وحدة" شايف، ألف شيكل، يا حلاوة، وعدت إلى البيت، وأنا أسمع بأذني كثيرا جملة" هي  رشا مش معمرة في وظيفة لهلقيت ليش، ياختي مبين عليها بتحب المشاكل، كل إلي زيها توظفوا، وهي لهلقيت بتناطح في هالناس، مش عارفين انو النزاهة، والموضوعية، والحياد، والاحترام، ناقحين علي نقح.

وبدأت مرحلة جديدة لنج.......



بدأت بالكتابة الإبداعية، وكتبت في قضايا المرأة، ثم تقرحت أصابعي تضامنا مع المرأة، وأشرقت، وتألقت، مسرعة، حتى أعلنت وكالة الغوث عن وظائف إعلامية، لأن لديها نية في فتح إذاعة خاصة بالمرأة، وتقدمت، ونجحت في الامتحان الكتابي والمقابلة بجدارة، وتقلدت منصب مديرة الإذاعة براتب مجزي، وشعرت أن الدنيا ابتسمت فجأة، وأنصفت، ولكن لأن هناك أقدار مدبرة من صاحب الأقدار، وكل شيء لديه بقدر، توقف المشروع، وسخر الله لنا الحكومة لترفض، واستسلمت وكالة الغوث منذ الجولة الأولى، على الرغم من الأموال التي صرفت، والتي أثارت في نفسي الكثير من الأسئلة التي لم أجد لها إجابة حتى الآن، وتفرق القائمين على المشروع، لا ادري، ربما لا يهمهم أن يعلو صوت المرأة، لأن هناك فرق من أن تنادي بالمبادئ، وبين أن تعمل على تحقيقها، وعدنا أدراجنا، محملين بالخيبات، وقد تحطم الحلم.

ثم بدأت مرحلة أخرى،جديدة لنج........

وبدأت من تاني، ما أنا بيأس أبداا، أنت مش عارفني، هاتك يا قصص، وأدب، ومدونات، وصفحات على الفيس بوك، أنهيت مجموعتين، ثم أصبحت اعد من الأدباء، فحصلت على جوائز تقديرية عديدة، ثم لقبت بأستاذة، شايفين، والأستاذة راحت، والأستاذة تنيلت، والأستاذة رجعت، وهدا يطلب مني ورقة عمل القيها في ورشة، وهذا كلمة في مؤتمر، وهذا مشاركة في اليوم العالمي للبطيخ.......أستاذة عاد، وشمعتي قايدة.

والحق والصراحة، أنا لم أكن احتكم في تلك اللحظة ( اللحظة التي أصبحت فيها أستاذة) على أكثر من مبلغ خمسمائة شيكل في الشهر، التقطها من هنا وهناك، مرة تقرير في مجلة، مرة قصة في ملحق، عشان أطلّع مصاريف الأستذة !!!!!!!

وعملت في صحف حزبية تابعة لحماس ما اخبيش عليك، برضو مضطرة، كل الإعلام لدينا حزبي، التزمت فيها الكتابة الأدبية، لأني لو دخلت في السياسة حتنقح علي الموضوعية، من أجل ذلك ابتعدت عن السياسة التي سترمي بي مجبرة في الحزبية والتزمت بالأدب، وعملت مقدمة برامج في اذاعة، حزبية أيضاً، وما تقوليش ليش، عشان الفلسفة الزيادة أنا بحبهاش، والواحد مش ناقصو، المهم، عملت في الإذاعة الحزبية، وتقمصت دور المحايد، ودخلت مجال التنمية البشرية عبر الكثير من المقالات والحلقات الإذاعية, وعشان ما تنقحش الموضوعية، ما زال معدل دخلي الشهري لا يتعدى الخمسمائة شيكل، وأحيانا أقل، والسيرة الذاتية مليئة بالتقديرات، والمشاركات، والكتابات، والجوائز،،، لا أخفي عليك، كله من الموضوعية، لسة بتنقح علي، لكن بقي شيء واحد هناك في الأفق البعيد يلمع كلما شاركت في أي كلمة، بقي صوتي، لم يختنق، وبقي الحبل الذي حاولت قطعه، يركض ورائي، والتفت فرأيته، ثم التقطه، وسرت، وصوتي ما زال علياً، وكلمتي ما زالت حرة، تخرج من رأسي أنا...أنا فقط، وذلك أيضاً هو تدبير القادر، يرفع رؤوساً بكلمة الحق، وينكس رؤوساً أخرى ممن يتكلمون بعد أن يكون ثمن الكلمة قد دخل إلى جيوبهم.

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

من نافذة شقة بابا !!!!


رشا فرحات

حينما كنت اسكن في شقة بابا التي على الدور العاشر، في أحد أفخم الأبراج في مدينة غزة "  فرصة للفشخرة" كنت أرى غزة من فوق، بمنظر مختلف، جميلة براقة، من بعيد، خصوصاً بالليل" تقولش باريس"، باريس مين؟!!، بينما في النهار، وأنت ترى البحر من على بعد، تظهر لك جزر الهاواي، " هاواي، مين؟!!، الظاهر إن الواحد بدا يخرف"

أنظر من النافذة الغربية من شقة بابا إلي على الدور العاشر إلي في أكبر أبراج غزة، التفت، تنازلاً مني، إلى اليمين تماماً، يظهر في الأفق معسكر الشاطئ، ذلك المكان المليء بالمجاري الجارية الراكضة دون خجل أو وجل، بين أقدام الناس، شيء مخزي مقزز، انظر بقرف، وأنا أتخيل منظر الأطفال المهجرين وهم يلعبون في مياه جارية مليئة بالصراصير، والأوساخ، ألوم نفسي لتنازلي وتضحيتي بالنظر إلى تلك البقعة الموبوءة، ثم أتساءل، متى سيرفعون هذه المخيمات، ونرتاح إلى الأبد من مشكلة اسمها مشكلة اللاجئين، يا اللاهي، وإذا رفعوا المخيمات، أين سيذهبون بالسكان، هل سيخلطون اللاجئين معنا هكذا ببساطة في قلب المدينة، وتتساوى جميع الرؤوس ، "إلي ساكن في حي الرمال" أمثالي"  زي إلي ساكن في مخيم الشابورا، ولا مخيم دير البلح، ثم أعود إلى عقلي فجأة محدثة نفسي: مش مهم خليهم هيك زي ما هما، هيها قضية بتدخل للبلد دولارات والسلام.

والله أشعر كثيراً" وهي مشاعر جياشة تعتريني دوماً"  وأنا أنظر من نافذة شقة بابا إلي على الدور العاشر، والتي في أفخم أبراج غزة، أشعر بميل يعتريني للذهاب لزيارة أحد المخيمات، من باب السياحة، والمعرفة وجمع المعلومات، يجوز أن أحصل على مجموعة من القصص الإنسانية التي ربما تثري حصولي على بعض الدعم الشحيح، من منظمات الأمم المتحدة، أو أي من دول الخليج، أو حتى من سوريا ولا إيران، أي دعم والسلام، فقط من أجل جمعية معاقي الحرب، و التي أترأس إدارتها منذ كثرت الحروب على غزة، ربما استطعت بناء طابق ثالث في الفيلا، أقصد في الجمعية لخدمة قضايا المعاقين ، ضحايا الحرب طبعاً..


أنظر يسارا من نافذة شقة بابا إلي على الدور العاشر في أفخم أبراج غزة، فأرى ذلك المكان الذي اعتقل، أقصد حبس، "مش عارفة حبس ولا اعتقل" ، فيه ابن الحاجة صفية بتهمة التخابر مع رام الله، وجاءت المرأة تتوسل وترجونا بأن نحاول أن ندلها على أي خيط يعرفها طريق ابنها الغائب منذ ثلاثة شهور، دون أن تعلم عنه شيئاً، لكن، ماذا سأفعل لها، صحيح أني عضوه في مجلس إدارة أحد مؤسسات حقوق الإنسان المشهورة في غزة، لكن هذا الملف بالذات، لا يمكن لأي أحد أن يتدخل فيه، وما دخلنا نحن، خلي الواحد  ماشي جنب الحيطة وبيقول يا رب، ثم أن مؤسسات المجتمع المدني جميعها ممنوعة من التعامل مع حكومة غزة، يعني يوقف الدعم عنا عشان الحاجة صفية وابنها يرتاحوا.

ثم من نافذة شقة بابا إلي على الدور العاشر في أحد أفخم الأبراج في مدينة غزة يطل عليك منزل، أم يحيى وقد أطفأت أنوارها بعد أن أنفض بيت العزاء، الذي كان مزعجاً بأصواته المختلطة طيلة ثلاثة أيام سابقة، أخيراً ارتاحت أم يحيى، والله لم يعد احدنا يدري ماذا يقول، لكنها بالفعل ارتاحت، في كل أسبوع تذهب مع ابنها لغسيل الكلى مرتين أو ثلاثة، وهو في حالة متدهورة، مرة يعاني من نقص في العلاج، ومرة جهاز الغسيل خربان، ومرة الكهربا قاطعة، يعني ارتاحت ولا لا ، طبعا ارتاحت...

ومن نافذة شقة بابا إلي على الدور العاشر،" ترى في الأسفل تماماً إذا ما أخفضت نظرك لدقائق، فقط لدقائق، مش راح أطول عليك، يعني تنازل ونزل راسك شوية علشان تشوف" ترى خلالها لجنة زكاة غزة، والتي اصطف أمامها العمال في الشهر الفائت ليصرفوا مبلغ مائة دولار، معونة من قبل الحكومة" والله مش عارفة أي حكومة فيهم، المهم أنها معونة عمال تأتي كل سنة أو سنتين، حقنة بينج مؤقتة، وذلك ليس إلا بمناسبة الاحتفال بعيد العمال، طبعاً، كما تعلم ويعلم الجميع، أن العمال فئة لا يمكن وصفها سوى بأنها " شبعاااااااانة" ما هي ربطة الخبز بسبعة شيكل، وعلبة الحليب بسبعين شيكل، وعلبة الحمص بعشرة، وزجاجة السيرج بخمسين، وكيس طحين، بمائة شيكل، وطبق بيض على علبتين فول، على علبتين صلصة، وذا زاد بيجيب كيلوا جبنة، والحوايج الأخرى..هي خلصت المائة دولار، يعني هما العمال شو بدهم اكتر من هيك، لو ناقصهم اشي كان حكو، أكيد شبعااااااااانين، نعمة وفضل يشكروا الله..

ومن نافذة شقة بابا إلي على الدور العاشر، تشاهد فدوى تلك الفتاة الجميلة الرقيقة، والتي تشاجرت مع والدها الشهر الفائت بسبب إصرارها على دخول الجامعة، مع العلم انه لن يعطيها مليماً واحدً، فهو يؤثر تزويجها على التعليم، أملاً في التخلص من أحد الأفواه المفتوحة في المنزل لديه،  لكن الجامعة" الله يكرمها"، ولأن فدوى حصلت على 95% فقد سمحت لها أن تدرس فرع دراسات إسلامية مجاناً، وبما أن فدوى تحلم بأن تدرس العلوم، وبما أن الجامعة غير مجبرة على تكفلها، والدفع قبل دخول أي محاضرة إجباري، وبدون فصال منعاً للإحراج، ولا فرق بين متفوق أو غير متفوق، هادي سياسة جااااااااامعة،  وبما أن والدها لا يقدر، وبما أن المتوفر هو الدراسات الإسلامية، قبلت فدوى، مع العلم أن الدراسات الإسلامية تدرس في جميع مساجد غزة بالمجاااااااان.
لكن على قولة أم فدوى، ياما شهادة والسلام، احمدي ربك ، أنت بدك تشنقي، يعني من وينلوأبوك يدفعلك عشر دنانير في الساعة  ...

ومن فوق برضو من نافذة شقة بابا إلي على الدور العاشر في أفخم أبراج غزة، أرى ضوء الشمس يغيب، أرى البحر الأزرق خجلاً من المغيب، أرى النجوم تتلألأ، وحيدة بدون قمر، أرى سحر غزة الذي لا يشبهه سحر، واسهر حتى منتصف الليل، وعلى ذلك أقفل الشباك وأنام مليء جفوني، على سرير مريح في شقة بابا إلي على الدور العاشر في أفخم أبراج غزة ...

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

حياتنا كهرباء؟؟!!


رشا فرحات
منذ زمن وأنا ارغب في كتابة مقال كهذا، ولكن كان يجتاحني شعور بأن مشكلة الكهرباء في غزة سوف 
تحل بين لحظة وأخرى، في قدوم حماس، في ذهاب فتح، في قدوم مرسي، في ذهاب مرسي، في حفر أنفاق، في طم أنفاق، ولكن بما أننا في هذه المشكلة الأزلية من ست أعوام بشكل رسمي، لأنها قبل ست أعوام كانت بشكل متفاوت وغير رسمي، فأصبح  لزاما علينا أن نؤرخ يومياتنا الكهربائية في تاريخ قضيتنا ليصبح هناك فصل خاص بانقطاع الكهرباء" ولا ايش رأيكم".



المرحلة الأولى: مرحلة بداية المشكلة:
 بدأت المشكلة تأخذ مجراها الرسمي حينما ضربت إسرائيل محطة الكهرباء قبل ست سنوات، وكنت في ذلك الوقت في زيارة لمصر، وعدت عن طريق المعبر وإذا بي أفاجأ بغزة" سووووووووواد" الله لا يوريكو، وبعد بحث عن الحقائب في العتمة لمدة ثلاث ساعات، دخلت إلى القطاع الحبيب أسير في شوارع معتمة لا أدري الشرق من الغرب، واردد، هي كانت بس غزة ناقصها هيك، وهيها كملت.

المرحلة الثانية: التعايش مع الحياة:
 وبدأت الحياة وبدأت أصيغ هيكلتها، تقطع الكهربا يوم آه ويوم لا، ثمان ساعات، وأحيانا بتمد لعشرة، وأحيانا ممكن يمر العيد عليك وقد قطعوها ليومين متتالين، فأقضي العيد بكاء من القهر والحر، وفي الشتاء بكاء من سرعة دخول العتمة إلى بيتي، فأنا اسكن في الدور الأرضي، وبيتي معتم ليلاً نهاراً، فأحتاج للكهرباء والضوء في كل وقت، ولكن مع انقطاع الكهرباء، يبدأ البيات الشتوي في الشتاء من الساعة الخامسة، يرن جرس توقف الحياة، فيخلد الجميع إلى النوم، وتتوقف كل المهام، وتحط أيدك على خدك تستنى الكهرباء، أو تستنى يطلع النهار، وتبدأ بشحن طاقتك على ضوء الشمس، وعشنا سنوات، بين الشمبر، والشموع، والشواحن إلي ماليه البسط في الشوارع، منها الأصلي، يعيش معك كم شهر، ومنها إلي بيضحكوا عليك، وبيخرب من أول تشغيلة.

لكن والله استفدت من هذه الحقبة بشكل كبير، فهذه الحياة تجعلك على أهبة الاستعداد، فما أن تأت الكهربا حتى تفز من مكانك، ولو كنت في أحلاها نومه، وتركض لتشغل الغسالة، والتلفزيون، والخلاط، والمكواة، والى النت لتقلب بريدك، وترسل رسائل الالكترونية، حتى الاب توب عرفته وابتعته بسبب الكهرباء، فأشحنه لأواصل الكتابة في انقطاع الكهرباء بكل أريحية، يعني ساعتين شحن بيحلو مشكلة كبيرة، يعني انقطاع الكهرباء دربني على العمل في وقت الطوارئ، وجعل عيوني ورا، وعقلي بدأ يخف، وتركيزي بدأ يتمحور حول مواعيد وجدول انقطاعها، وعلى هذا تبرمجت الحياة ومشي الوضع.

المرحلة الثالثة: الحلول المطروحة:
 ظهرت المواتير، انتشرت في أرجاء المدينة، وبدأنا نستمع إلى تجارب الأصدقاء في اختيار أنواع المواتير، منها الكيلو، وقد كان سعره في ذلك الوقت من 800 إلى 1000 شيكل وممكن يضرب من أول يوم، والبائع لا يتحمل المسؤولية، وهي بضاعة أنفاق ولا يوجد عليها ضمان، وأنت وبختك، ومنهم المضمون إلى حد ما، ماتور تنين كيلو، بيشغل شقتين وثمنه 2000 شيكل، ومورد من الصين، وأقوال تقول من ألمانيا، وبعدين بينضحك عليك وبيطلع جاي من ميدان العتبة، لكن للأمانة بيعمر، يعني عاش في بيتنا ضيفاً حميماً يضئ أيامنا التعيسة المعتمة، و ونيساً في وقت الامتحانات، ومشغلاً للهوايات، في النهار، وفي الليل لا ، عشان بنخاف من تسريب العوادم والحرائق والمصايب، وربنا طبعاً بحبك إذا كنت تسكن مثلي في الطابق الأرضي ويوضع الماتور في الساحة الخلفية لنوافذ الصالون فتجلس على الضوء ست ساعات ترافقها نغمات غير شكل وروائح تعجبك، لكن المضطر يركب الصعب.

المرحلة الرابعة: السلبيات والتلطيش:
خرب الماتور، وذهبنا نشتري غيره، الله يعطيه العافية أربع سنين برضو عشرة عمر، وذهبنا نشتري أخر، وإذ بالماتور إلي ب2000 شيكل أصبح بقدرة قادر ب800، المواتير ماليه البلد، وطافحة طفح، والله يبارك في الأنفاق، ما العالم الخارجي عاملينا ملطشة، ومهربين الأنفاق عاملينا ملطشة، وشركة الكهربا عاملانا ملطشة، والحكومات الله يبارك فيهم عاملينا ملطشة، وإسرائيل طبعاً وراء كل هذا عاملة العالم والمهربين وشركة الكهربا والحكومات وإحنا ملطشة.

شركة الكهربا بتاخد منا 200 شيكل فاتورة لكهربا مقطوعة، ونحن ندفع 200 شيكل فاتورة بنزين تشغيل الماتور، يعني 400 شيكل لتيار كهربائي يأتي زي القطارة في عيوننا، يا سلام.

المرحلة الخامسة: اختيار البديل:
 اقترح زوجي العزيز نبيل علينا شراء بطارية، لأن الجو حار جداً في الصيف، ولا نستطيع بأي حال من الأحوال النوم بدون هواية، لأننا أيضاً لا نستطيع تشغيل الماتور في الليل لنشغل الهوايات، يعني نواحي أمنية كما ذكرت لكم مسبقاً، خوفا من اختناق أو حريق يسببه الماتور، ونصبح نحن كالعريس الذي اختنق يوم عرسه بسبب الماتور، والزوجين اللذان حرقا بسبب الماتور، والعائلة التي أبيدت ورحل أزهار أطفالها بسبب الماتور، و.....الخ من مصايب مختلفة، بسبب الماتور.

المهم... دخلت البطارية البيت، ثمنها 1000 شيكل، معقول، مش بطال، والذي لا يملك 1000 شيكل لا لزوم لأن يرى النور، ولا لزوم للهواية، ويفطس أحسن، خلي شركة الكهربا تنبسط، والحكومات تفرح.

بالعودة إلى البطارية، والشهادة لله، زي الماتور بالضبط، مع فارق مهم جداً من وجهة نظري، لا صوت يسمع ولا جعير مواتير، اشحنها، لمدة ست ساعات، تعمل لمدة ست ساعات، وماذا نريد نحن سوى النوم لمدة ست ساعات، وبدأنا، في أول ليلة حرقت الهواية الموجودة في غرفتي، وفي الليلة الثانية حرقت الهواية الموجودة في غرفة الأولاد، وعندما ذهب زوجي لاستشارة أصحاب الخبرة، قالوا له: الهوايات لا تعمل على البطارية" نعممممممم"

المهم.. اقترح علينا أهل الخبرة بأن نقوم بتركيب هوايات في السقف، فأذعنا وسمعنا الكلام، لأنها الوحيدة التي تعمل على البطارية، وأنا والله لا أحب مطلقاً هوايات السقف، لأنها تذكرني في أفلام المخابرات وغرف التحقيق، مش عارفة ليش.
المهم قمنا بتركيب هواية سقف في غرفة ابنتي داليا، لأني رفضت رفضاً قاطعاً أن أقوم بتركيبها في غرفتي، ولول لفترة مؤقتة، ولا في الصالون لأني لا اقبل بأي شكل من الأشكال إنزال النجفة الجميلة، وتعليق هواية مكانها. 

ثم بدأت رحلة النوم، وأصبحت رحلتنا تبدأ من الحادية عشر مساء، تقطع الكهربا، فنحمل فرشاتنا، ونذهب نفترش الأرض في غرفة داليا، وداليا تتنطط علينا وتذلنا ألف مرة، لأنها استضافتنا في غرفتها، ثم تأتي الكهرباء في السادسة فنعود إلى غرفنا، ونعمل على تشغيل الهوايات العمود، والتكيف، ونتنعم بالكهرباء الأصلية التي تمن علينا شركة الكهرباء بها مشكووووووووورة لمدة ست إلى ثمان ساعات، والحق يقال، منذ دخول الوقود القطري صار الوضع" سبهللة" يعني مرة تأتي ثمان ساعات، مرة ستة، مرة ساعتين، مرة 24 ساعة، وهادا بشكل نادر، تخيلوا كهرباء لمدة 24 ساعة، أحمدك يااااااااارب، ولا في الأحلام.

 المهم استكمالاً لرحلة النوم وفي اليوم التالي، تأتي الكهربا في المساء، فننعم بنوم هادئ، ثم نرحل في تمام السادسة صباحاً حينما تقطع الكهرباء، ونقوم بتشغيل البطارية، نعود لنكمل نومتنا الهانئة في غرفة داليا، تحت الهواية السقف طبعاً، وطبعا إذا قام أحدنا بتشغيل الكهربا ونسي أن يرفع سلك البطارية من الشحن سوف تفرقع وتحرق، ويبقى راح عليك 1000 شيكل، كما حدثت مع جارنا الأول، أو تفرقع بدون سبب كما حدثت مع جارنا الثاني، بضاعة مضروبة، وتهريب أنفاق، وفي غزة لا شيء يمكن أن تبتاعه بضمان.

تنويه أخير: طبعا لمن لا يمتلك إلف شيكل ثمن بطارية، ولا مائة دولار ثمن فاتورة كهرباء بالإضافة إلى سولار الماتور شهرياً، هذا إذا كان لديه ثمن لماتور، يخبط رأسه في الحيطة، الحكومة أكيد مش مسئولة عنه، وشركة الكهرباء منه براء ...وسوف تقطع عنه الكهربا إذا لم يدفع.

المرحلة السادسة: مرحلة الجنون:
كيف نعيش داخل أسوار حياة نفتقد فيها ابسط حقوقنا في الحياة، كيف نعيش في العتمة التي لم تختارها لنا أقدار السماء، وإنما اخترتها أيد الظلماء، كيف رضينا على أنفسنا أن نستغفل إلى هذا الحد، أن نسير في شوارع السوق، نتخطى أسلاك الكهرباء الممدودة من المواتير أسفل أقدام أطفالنا الأبرياء، فلا نؤمنهم من خطر قاب قوسين من أقدامهم البريئة، وأنفاسهم التي اخترقتها روائح العوادم، وأوقات امتحاناتهم التي اخترقتها أصوات الإزعاج في الشوارع، كيف حولتم قضيتنا إلى بكاء وعويل على خط كهرباء، تبا لكم ولكل من تآمر علينا، تبا لكم تبا......

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

ارجع يا زمن ستي ....



رشا فرحات 




عرس في بيت جيراننا، ونحن لا ندري، من المتزوج، لماذا لم يقدموا لنا دعوة، لماذا لا نعلم ما يدور في بيوت الجيران، مرض فلان، ثم حولوه للعناية المركزة، وفجأة مات، وتفاجئنا ببيت العزاء وقد نصب، والكراسي فردت في أرجاء الحارة، ونحن لم نكن نعلم، مع أن " الباب في الباب" كما يقولون.



تغيرت الحياة كثيراً، وكل على همه يبكي، وأنا أتشوق لزيارة جار بدون موعد، أو لتطفل جارة كل يوم لتشرب معي فنجان القهوة" مرغمة مش بكيفي " لأن هذا كان من طقوس الحي، وللرغي الفارغ، عن مأكل الأزواج والأولاد، يعني أحياناً برم فاضي، " ما تستغربوا، أحيانا الواحد بيكون محتاج للبرم الفاضي، على سبيل التفريغ، لا غير والله" البرم الذي لا يخلو من لف طنجرة ورق عنب، أو بقورة بعض كيلوات من المحشي، على سبيل المساعدة، والجار للجار، حتى أنني اذكر أننا كنا نشم رائحة الكعك في بيت جارنا فنرسل أحد الأبناء لنطلب إطعامنا من كعكهم، وهم أيضا كانوا يطلبون تذوق كعكنا" عشان ما حدا يقول إنا كنا بنطلب من الجيران هيك" صلبطة " بل كنا نخصص أمسيات في آخر أيام رمضان ونتوافد للجيران لصناعة الكعك مناوبة " كل يوم في بيت أحد الجارات، والي ما بدها تعمل كعك راح تعمل غصب عنها، عشان توري شطارتها للجارات.



والأفراح وما أدراك ما الأفراح، يصطف الجميع، ليعرض عليك مساعدته، وعلى الرغم من أنك تكون في حالة "عفيان حالك" لكنك ستفرح حتما حينما تشاهد مراجل أبناء الحي، و تملأ الزغاريت والأغاني كل أرجاء الحارة، لمدة أسبوع كامل، أنت ترقص وكل الحارة ترقص إلى جانبك، أما في هذه الأيام أصبح ينظر أحدنا إلى حفلة عرس جاره من نافذته، ثم يردد: والله قلة أدب يعني ما بعرفوا يفرحوا الا إذا أزعجوا كل الحارة، وسمعوا أغانيهم لكل الحارة"، وبصراحة أنا أحياناً بحكي هيك..



وكان لنا طقوس في المقابلات والود بين الجيران، فنركض إليهم في كل خطب، وفي كل مناسبة، بدون حساب، بدون أن نسأل أنفسنا" أجاني ولا ما أجاني" " شو جابلي هدية، ولا ما جابلي، مين أخر مرة زار الثاني، أنا زرت، لا يا عم مش رايح ، لازم هو إلي يجي، هو شو إلي جابلي إياه، من كتر ما بيجي يزور يعني.



وتحكي لي حماتي عن زمان كانوا يتبادلون السهر في الشرفات وساحات البيوت الكبيرة في مدينة غزة، ويرسلون السلام والمحبة بين بعضهم البعض بمناسبة وبدون مناسبة، حينما كانت نساء الحي في دوار حيدر حيث كانت تقطن حماتي" الحيفاوية" خد بالك من دوار حيدر واربطها مع الحيفاوية على طول، ست معزوزة من يوم يومها، وقد كان السائد بين النساء في تلك البقعة من مدينة غزة، التبادل والسهر مع بعضهن البعض كل أسبوع، فيتقابلن في لقاء أسبوعي مرفه، إذا ما قورن بغيرها من الأماكن، في الجنوب، ومخيمات اللاجئين، وبما يسمى ذلك اللقاء المدني المتحضر بــــ" استقبال" ويبدأ النساء بتقديم أفضل ما لديهن من طعام وضيافة، وموسيقى، ورقص، يا سلام، كل في يوم استقبالها، حتى لينتشر بين المعارف الأصدقاء أن " موعد استقبال الست..فلانة...في يوم كذا....." ويتهافت النساء إلى زيارتها في ذلك الموعد.





أما في المخيم، كانت ستي أم علي تسكن أول بيت في مخيم رفح، على ناصية الشارع العام، مقابل سوق الخضار، وبجنبها فرن الحاج أبو ناجي، ودائمة الجلوس أمام الباب، والجلوس أمام الباب أحد الطقوس الدائمة في مخيمات اللاجئين، وكان الذاهب إلى الفرن، يجلس بجانبها قليلاً ، والعائد من الفرن يلقي السلام ويلقي في حجرها أخبار أهل المخيم، فتقدم لهم ما يوجد في بيتها من خير بسيط، وتلك الكلمة على لسانها الطيب، الله يرضى عليهم الغياب" تقصد أبي وأعمامي" ثم تردد" الخير كتير" الله يرضى عليهم الغياب"



ولأن جدتي تجلس بشكل دوري على باب البيت الأزرق، الملون بزهور حمراء، في بيت من الأسبست، تفتخر بأبنائها الغائبين في الغربة، بعد أن رحلوا جميعاً وتفرقوا في بلاد الله، فكان الجلوس أمام الباب سلوى لوحدتها، وونيساً، وخبر تلتقطه من هنا وهناك، لتوصله لأبي الغائب المغترب، الذي كان يتلقط أخبار أبناء المخيم لعلها تعيد له بعض من ذكريات طفولته.

كانت جدتي " أم علي" تعرف كل أخبار المناسبات، والأفراح، ولا تقبل رغم عجزها وضعف حركتها، الا أن تشاركهم فرحتهم، فيمر من جانبها عائلة تهم بالدخول إلى احد البيوت في المخيم، فتستشعر مناسبة أو عرساً في قلب المخيم، فتبادرهم بالسؤال:

- وين رايحيين يا جده

- على دار فلان يا حجة، بدهم يجوزوا ابنهم

- طيب، بجاهة الله تستنوا شوي

فتركض جدتي بقدميها الضعيفتين، إلى كيس الطحين الراقد في البرميل، في قاع الدار الاسبست، وتغرف بيديها فتملأ صينية من الطحين، وتزينها بعرق من الريحان، أو الورد الجوري، وتعطيها للواقف حتى يأخذها لأهل العرس، وتشدد عليه بأن يقول لهم: هادي من الحاجة أم علي يامه.

فيحملها ويركض، وهو وزمتو عاد، بيقول ما بيقول..



وفي حالة مرض أحدهم تسأل المارة أيضا، وبعد أن تذرف دمعتين، وقد كان ذرف الدموع عادة ملازمة لها ، ككل الأمهات في المخيم، وبعد أن تسأله أن يقرأ السلام على المريض، وتدعو له من فمها المبارك، ثم تحمل ذلك العابر رطلين من السكر، وتقول له: ما تنساش يا جده، قلهم، هادا من أم علي يامه.



يا زمانك الحلو يا ستي، ارجع يا زمن ستي..

الجمعة، 8 يونيو 2012

حرب البطيخ ..يا بطيخ



كنا قد خرجنا من البيت ، باحثين عن مكان" نطير فيه زهق"  أنا والأولاد، في أمان الله، يمسك كل منا يد الآخر، عائلة واحدة، فاهمين بعض، قلوبنا على قلوب بعض، أنا ويوسف أبني، وابنتاي، داليا وياسمين الصغيرة، وقد عزمنا النية، ومتجهين إلى محل الألعاب، وزي ما قلنا قلوبنا على قلوب بعض، ماسكين يدين بعض.

وما أن وصلنا إلى ذلك الشارع، حتى سمعنا أصوات إطلاق الرصاص، وجماعات من الناس "تلتم" في موقع الخطر، كعادتنا حينما نسمع انفجاراً، أو إطلاق نار، فنحن فقط من يذهب ركضاً إلى مكان الخطر، وقد سيطر عليه الفضول أكثر من أي شيء أخر لاستطلاع الأمر، مع أن المفروض من أي إنسان طبيعي في تلك اللحظة، أن يهرب خوفاً، لكن .... ما علينا، كسرت العادة أنا وأطفالي واختبأنا خلف حائط  قريب نراقب ما يجري من بعيد، برضو فضول، مع أن العاقل في تلك اللحظة، من يأخذ أطفاله، ويستقل سيارة مسرعة، وديله في سنانه، ويهرب، لكن الفضول قتل الهرة، كما يقول المثل المشهور.

اختبأت خلف الحائط ورأسي يختلس النظر، بوجل، وإذا بجماعتين جاءوا كل من طريق وهاتك يا ضرب في بعضهم البعض، دون مراعاة لخوف المارقين، أو إصابتهم ، أو مراعاة لأي خسائر من أي نوع، ضرب ضرب، بالطناجر، بالأحذية، يا عم ايش في، سأل أحد المختبئين بجانبي، وراء الحائط، والذي يبدو أنه أحد سكان البناية المجاورة، عرفت ذلك لأن زوجته، تنادي عليه، من فوق" اطلع يا زلمة" ايش بتستنى، والزلمة المختبئ، معي رأسه والحائط، أن لا يصعد إلى فوق، حتى يعرف، ايش الدعوة، طبعاً كمثل كل أهل غزة الأشاوس، لازم يعرفوا على طول ايش الدعوة، حتى لو على قطع رقبته من غطاية طنجرة، ولا صنيه منطلقة كالرصاصة بالخطأ.

جلسنا طويلاً على هذه الحال، حتى نادى جاري المتفرج بصحبتي  على زوجه من أسفل وسألها بلهجه الغزاوية المشهور مضطرا لعدم قدره على الحصول على أي معلومة مؤكدة، حول المعارك الضارية بين الفريقين في الحارة" شو القصة يا وليه" بكسر الهاء" فصرخت به زوجه، البطيخة يا أبو فادي، البطيخة، فنفخ أبو فادي مرتاحاً وقال: البطييييييييييييييخة، فهمنا، وتطلع إلي وأنا أفتح فمي على أخره منتظرة بلهفة لمعرفة القصةً، فقال: يا عم  هدول جماعتين الهم من سنين بتقاتلوا على بطيخة لقوها في أرض قريبة هان مرمية، وجروا عليها تنين من العيلة، وهوب حطو أيدهم عليها مع بعض، وكل واحد بقول: إلي، وأضاف متأففاً" من بختنا إلي زي الكندرة " على حد قوله" ، ثم أضاف: هي صحيح البطيخة، مئة كيلو، تعجبت أنا، مئة كيلو!!!!!!!!!!!
أكمل الرجل: لكن لا داعي للشجار، أول عن أخر بدنا نشق هالبطيخة نصين وتتاكل، وختم حديثه: يالله لحم كلاب في ملوخية، إن شالله ما ردوا، وركض الرجل مسرعاً، حيث تنادي زوجته عليه منذ اندلاع الحرب، أقصد الخلاف، أقصد الاقتتال، والله ما بعرف، سميها زي ما بدك، ما اختلفناش.

المهم، حاولت مع أبنائي الثلاثة، يوسف وداليا، وياسمين، أن نقدم شيئاً لهذه الحرب الضروس بين الفريقين، خصوصاً أن الموضوع" مش محرز" ، ثم أنه زاد عن حده كثيراً، وما أن قدمت، وصرخت بصوتي الجهور، يا جماعة الخير صلوا على النبي، وعلى طول الله يرضى عليهم، صلوا، ما تأخروش، ووقفت في المنتصف، أشرح لهم، فضل الصلح، والمصالحة، وكراهية الخصام، ويا هادي، سكتوا شوي، ثم كتبت وثيقة صلح، ليوقع عليها الطرفين، وطرحت بعضاً من الحلول، لعلها ترضي الجميع، نسخت من الوثيقة نسختين، وأرسلت نسخة مع داليا للفريق الأول، ونسخة مع يوسف للفريق الثاني، وياسمين الصغيرة، وقفت تنتظر بجانب البطيخة، متلهفة، تنادي" مامااااااااا بدي بطيييييييييييييخ" وأنا أغمزها بطرف عيني، يا ماما هي نقاصاكي أنت كمان.

المهم، عاد يوسف، وقد عدل بعضاً من الشروط، وعادت داليا وقد عدلت شروطاً أخرى، وبادلنا الأوراق، فاعترض الفريقين، على تعديلات الفريق الأخر، وبدأت المناوشات، وصراخ مرة أخرى، ومن جديد، صرخت بأعلى صوتي: صلوا على النبي، وصلوا، ما قصروش، وبعثت أبنائي، وعادوا بالورق، ثم عدلنا، وصرخنا مرة أخرى، وحاولت جهدي، وهكذا الله وكيلك، بقينا لأسبوع كامل، أولادي يروحون ويجيئون، وأنا مش هاين علي المساكين الي بدبحوا في بعض، وياسمين، واقفة تنتظر بلهفة، وتزيد وتعيد وكأنها لا ترى شيئاً: " مامااااااااا بدي بطييييييييييخ".

وبعد جهد من المناوشات، والمناورات، والمحاولات الجاهدة من قبلي، ضاعت أحلامي في غمضة عين، وعليها المزيد من الخسائر الشخصية أيضاً، فأولادي سئموا، الحوار والنقاش، ومن كثرة ترددهم على كل فريق، تغير تفكيرهم، وتأثر، فأعلنوا لي على وثيقة أخرى، انتماء كل منهم لفريقه، وأنا أصابتني الصعقة، يوسف مع الفريق الأول، لا يسمع نداءاتي، ولا يعي لدعواتي، وهاتك يا خبط في الفريق الثاني، وداليا مقابله في الفريق الآخر، ونازلة ضرب وخبط في هالطناجر، والأحذية اللولبية، وصوتي العالي، أخفته حرارة الغضب والكراهية، بين الفريقين، وغدوت أبحث عن أبنائي الضالين، وأنادي لا يسمعني منهم أحد، بينما كسرت البطيخة من المنتصف، بإحدى القذائف، والفريقين مشغولين بضرباتهم، وقد نسوا أيضاً موضوع الخلاف، وأنا في المنتصف، وياسمين وحدها من أخذت جانباً بعيداً منزوياً، حيث لا يراها أحد وبدأت تغوص في لذة البطيخ، أما أنا فقد داستني الأقدام المتناحرة حتى لفظت أنفاسي الأخيرة.

فضحتونا...


والله لم أكن أنوي أن أحدثكم بقصتي، ولكن خبر قرأته على أحد المواقع، أعاد بي الزمن إلى الوراء، إلى ما قبل خمسة عشر عاماً، أو أكثر بقليل، فلتلك الأيام ذكريات زي السكن، أقصد ذكريات مليئة بالأشجان والعبر.

وللمعرفة، أنا رجل عصامي، بنيت نفسي بنفسي، وحاربت كثيرا للوصول إلى هذا المنصب، فتلك مهمة شاقة، لا يصلها إلا العظماء أمثالي، والمثابرون، والصامدون، والمتضامنون، والخائفون على أوجاع ومصالح هذا الوطن، والباكون، والمولولون دائماً بسبب وبدون سبب، والوقحون أيضاً، فتلك مهمة تحتاج إلى قدر كبييييييييييييييير من الوقاحة.

المهم ما علينا... كنت أحد العمال الذين يعملون في بيع الخضروات، هذا الكلام كان منذ عشرين عاماً أو أكثر، لم أعد السنين، والقصص، وماذا سأذكر، وماذا سأترك، كثيرة هي القصص.   المهم ، في تلك اللحظة كان عمري يقارب الخامسة والعشرين، حينما دلني صديق لي على تهريب شحنة من السجائر، وبدأنا بكل شجاعة، ودون أي خوف، فهو الفقر الذي يسرق الخوف من القلوب، ، "ولعبت معنا حلاوة، شحنة ورا شحنة، وعرفنا في الجمارك، وعلى الحدود، وأصبحنا نهرب الشحنة ونضع في جيب الضابط كروزين دخان"  على سبيل الرشوة يعني.

 وذاع صيتي في المنطقة، المهرب راح، المهرب أجا، وأنا انتظر أن يصل الصيت إلى رجال الشرطة، وأتلصص الأخبار لمعرفة ردة فعلهم، وأن يأتوا إلى التحقيق معي أو محاسبتي، أو حتى الحصول على نسبة من التهريب، لكن يبدو أنهم كانوا مشغولين في أنواع أخرى من التهريب، ففي بلدي لكل واحد تخصص، وكله ماشي بالتهريب، ثم بدأت إغراءات صديقي تزداد شيئاً فشيئاً، وأشار علي بشحنة حشيش هذه المرة، وأنا بيني وبينكو حسبت الحسبة ما صدقت، قلت خبطة وحدة، بعدها يا بخبط راسي في الحيط، يا برتاح لآخر العمر...

وكثرت الأموال، وهذه المرة للحق، وللأمانة، الجماعة كانوا خايفين على مصلحة الوطن، وعلى طول،  أتت الشرطة لتحقق معي، وفي ليلة وضحها استبدلت لقب مهرب الدخان إلى لقب أرفع، وترقيت درجة في سلم الإجرام وأصبحت مهرب حشيش، وبديش أقلك عاد، البيوت، الأراضي، الخير، الملاين، والأولاد دخلوا إلى مدرسة أجنبية، وصاروا يرطنوا بالانجليزي، الله يباركوا الحشيش يا شيخ، والله قرشه حلو.

وقد كبر صيتي في المنطقة، واحتفل معي الجيران بمناسبة حصولي على اللقب، وأعدت الجارات الطعام، وأتوا جميعاً بالهدايا، وازدحم البيت بالزوار، قليل منهم جاء ليهني، والكثيرون منهم، جاء لطلب الواسطة، ما تستغربوش، ما هو تاجر حشيش، يعني واسطة كبيرة بالبلد، وكل الوزرا بجيبتي، ها ايش إلي مقعدني لليوم بتاجر، وتطور معي الوضع، وانتشرت أنواع جديدة من المخدرات، وأصبح لدي خبرة عريقة بكل الأنواع، ترمال، على حشيش، على ابصر ايش،،،خبير يا عم، وواصل.

بس والله الحق يقال الشرطة ما سابونيش، مرة تحقيق، مرة سيارة شرطة تيجي تفتش الدار، مرة مكالمة فيها تهديد، بس لااااااااااا، أخوكم صاحي، ما حدش قدر يمسك علي أشي.

ما علينا ووصلت إلى حيث يصل الواصلون، أمثالي، حينما اجتمع عتوات الحي، وأشاروا علي بترشيح نفسي للوزارة، وسألتهم طبعاً، أي وزارة، يا جماعة الخير الوزارات بتهش دبان، وقرشها تعبان،  قالولي يا عم وزارة من هالوزرات إلي بتفاوض، شو يعني راح تخسر، والله شغلهم حلو، نازلين فط ونط من بلد لبلد، بتطير زهق،  أنت معك مصاري كتير، وناجح ناجح، وبعدين فاوض مع ها الي بفاوضوا شو راح تخسر، وإذا ما مشيت المفاوضات يا عم، تاجر بالأراضي، بيع، بيع، ما هم برضوا إلي بفاوضوا ببيعوا، وبدلوك على الهبرات الكبيرة، تجارة الأراضي بتجيب، وانت سيد العارفين.

ومع أنني فكرت كثيرا في إلي راح أفاوض عليه، ومع أنه لم يبق ما نفاوض عليه، لكن ماذا يمنع، فنرشح يا عم، والي معه مصاري بفوز، ولكن بدكم الصراحة شعرت بالخجل من نفسي، فملت على جاري أبو أحمد وسألته: يا عم الوزارة هادي بدها واحد متعلم، وأنا عمري ما مسكت قلم، يا دوب بعرف ارسم اسمي، فضحك أبو أحمد مرددا: يا حبيبي بتشتري، في كتير راحوا برا ورجعوا بالدكتوراه بسنتين، وبرضو بفاوضوا، هي المفاوضات من كتر صعوبتها، يا عمي جرت قلم، مش مطلوب منك غير توقع، كل ما يعطوك ورقة، وقع، وقع، فاستغربت وسألته: أوقع على الغميض يعني يا أبو احمد، فقهقه الرجل، يا عمي على الغميض، هم يعني إلي بفاوضوا كيف بوقعوا فكرك.

ودخلت الانتخابات، وعكس ما توقع أخوكم، فزت فوزا كاسحاً، يا عم اتاري الانتخابات هادي سهللللللللللللللللللة، أشي ببلاش، جرة قلم زي عمي أبو احمد ما بقول.

وحلفت اليمين، ولا أدري على ماذا حلفت، كل إلي فهمته، أني حخدم الوطن، ما أنا طول عمري بخدم الوطن، وبسكر في هالشباب، وبطفح فيهم من كل الأشكال أشي حشيش، واشي ترمال، واشي بلاوي زرقا، حدا قدّر، المفروض والله يا عم يحطوني رئيس كمان، على قولة أبو أحمد كلها جرت قلم، توقيع ورا توقيع، حدا عارف على ايش بدي أوقع، بس هينة، ما دام وصلنا للوزارة، يبقى حنوصل للرئاسة، مش صعبة، من جد وجد يا عم..

المهم لا أخفي عليكم، ولن أطيل، أخذت الوزارة من هنا، وهوب سافرنا أنا وصحابي الوزرا من هنا، كما توقع أبو أحمد تماماً،  ولكن، زملائي الوزراء، فضحوني، ولا أخفي عليكم، نكست رأسي بعدها متثاقلاً مما فعلوه على المعبر، وطلعوا الجماعة مستجدين كتير، قال بدهم يهربوا دخان على المعبر، يا عم طب قلولي ، كان دليتكم على الفولة، مش عارف انو معكم مهرب خبررررررررررررة، هي انفضاحنا، عاجبكم ؟!!! الله لا يردكم.

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

في بيتنا فأر...

يا جماعة، دخل لبيتنا فاااااااااااااااار.
 هكذا وبدون مقدمات فوجئت بوجود فأر في حمام البيت، وأنا التي أخاف الفئران، لم احتمل هذا الحدث المروع، ولم استطع حتى محاولة الاحتمال، ثم فكرت لدقيقة، أنا يحدث معي ذلك، شعرت بالاهانة والله، أنا التي أتباهى بقوتي في جميع المحافل، وبقدرتي على الاعتماد على نفسي، واهتف دائما: أن المرأة تستطيع الاستغناء عن الرجل ما دامت تعمل، وتحمل شخصية قوية لا تهتز أمام أي من الأزمات، " لكن للأسف لم أعمل لهذه الأزمة أي حسابات، يعني  طلع في حمام البيت فار، هدم كل المبادئ التي كنت احملها"


وبما أنني مصرة على مبادئي، وبما أنني صرخت بأقوى أصوات حنجرتي، بعدما رأيت الفأر، في ساعة متأخرة من فجر ذلك اليوم، على زوجي ليأتي مسرعاً لإغاثتي، ولكنه مشكوراً أثر النوم، خصوصاً حينما أتى ليفتح باب الحمام فوجده مغلقاً من الداخل، وبعد أن طلب مني فتح الباب، ولم أوافق، لأن الفأر اختبأ في مكان قريب من الباب، وبعد أن هتفت وبكيت، وتنازلت عن كل مبادئي مرغمة، وأصبحت تلك الصحفية التي تهتف بقوة المرأة وقدرتها على التحكم بحياتها والاستقلالية بذاتها، والتي تتسمر برعب الآن فوق " طرف البانيو" خائفة حتى من فتح الباب، بعد ذلك كله، ناديت وناديت، ورفضت الاقتراب من الباب، وعاد زوجي هانئاً إلى فراشه دون اكتراث لصرخاتي وهو يردد" شو أعملك، افتحي الباب خلصينا" لكن الحمد لله  خرجت على خير بعد أن أقدم ابني يوسف على كسر الباب وإخراجي عنوة من الداخل، وأنا في شبه غيبوبة من كثرة الخوف.


ولا احكي ولا أبالغ، فأنا فعلاً لدي عقدة الخوف الرهيب، الخوف المستفز، الخوف الغريب، من الفئران، وجميع الحيوانات الزاحفة والحشرات، لدرجة انه أهون على نفسي والله كثيراً أن تقوم الحرب في غزة، من اكتشافي لوجود فأر في بيتي.


وألان وبعد أن استقر الفأر في الحمام، وخرجت أنا بالسلامة، أقفلت الباب، وفرشت أسفله قطعة قماش، حتى لا يخرج الفأر بأي طريقة، وبعد أن دخل زوجي للتفتيش، واكتشف أن الفأر يأخذ من مجراة الغسالة مقراً لسكنه الجديد، بدأنا ألان نخطط لإلقاء القبض عليه، فبدأنا أولاً بالغسيل، فالغسالة سوف تصب الماء في المجرى وتغسل، ثم تصب، والفأر في المجراة، وهنا شعرنا أن هناك أمل بموته، بل تأكدنا أنه مات بالفعل، فمن يحشر داخل أنبوب للمجاري، ويسكب الماء فوقه، أكثر من أربعة مرات، " أشي مغلي، واشي بالصابون، واشي ماء شطف" يعني أكيد ماااااااااات، لكن المفاجأة الكبرى- الفأر لم يمت-  بل ظهر ليتمختر في اليوم الثاني وكأن شيئاً لم يكن، حسناً.. هناك طريقة أخرى-حسب اقتراحات زوجي- نضع له صمغ فئران، سألت زوجي فورا" وهل هذه الطريقة مضمونة لقتل الفأر، سمعت أن بعض الفئران يعرفونها، بل ويكشفونها، ضحك زوجي كثيرا مستهزئاً، ولكن بالفعل، وضعنا صمغ الفئران، فعرفه ذلك الفأر الملعون، وبدأ يخطو فوقه ومن جانبه، بقدميّ فأر خبير ومحنك، ويخرج كل يوم ليرعبنا ثم يعود إلى مقره سالماً غانماً، وأنا جافاني النوم، وتوقفت كل مسيرة حياتي بسبب ذلك الفأر.



ثم بدأت أعيد حساباتي، ماذا لو سكنت مع فأر لوحدي في مكان واحد، الفأر حيوان ضعيف، وليس لديه مقدرة ، " ومين أقوى يا بنت يا رشا، أنت ولا الفأر".  و بدون رد على ذلك السؤال المحرج، اقترحت على زوجي بأن يأتي بقط إلى البيت ليصطاد ذلك الفأر" ويخلصنا"


واتى القط، وبدأنا بإغرائه، ومعّزته معّزة مميزة، أشي مرتديلا، ودجاج،  واشي سمك، وطعموا القط  يا ماما، عشان يتنشط، وعشان يحب البيت، وعشان يألف الوضع، ويبدأ بالشمشمة بحثا عن الفأر، عشان يستحي على دمو.


 ويقولون أن القط يشم رائحة الفئران عن بعد، لكن ماذا دهى هذا القط، يبدو أنه فاقد لحاسة الشم، والفأر يخرج، ويختبئ، وانتشر عمله وتوسع، فتعدى نطاق الحمام، وامتد ليطول المطبخ، وغرفة ابني يوسف، وغرفة ابنتي داليا، ولم يبقى في البيت غير غرفتي، فسارعت إلى إغلاقها بإحكام، وتسكير كل الفتحات التي يمكن أن يكون هناك احتمالية لدخول الفأر من خلالها، ومنعت فتحها إلا للضرورة، وبت أنام بعين مغمضة واحدة، وبالأخرى أراقب الفأر فهناك إمكانية لتسلله عبر أي فتحة، فهو فأر، ورأسه يمكن أن يدخل من تحت جميع الأبواب، ومن تلك الأماكن التي لم نعمل لها حسابات.


والقط ممدد على الأريكة في الصالون، يأكل ويشرب ويتمغط، ونحن جميعاً نقف ونتربص، فما أن يركض القط فجأة إلا ونركض وراءه، وان تطلع القط إلى زاوية معينة إلا وتحدق أنظارنا جميعا نحوها بلهفة دون تردد، لعله عثر على الفأر المختبئ في بيتنا منذ أيام.


وللعلم الفأر يصبر على الجوع كثيراً، ويأكل أي شيء، وهو للأسف الأقرب شبها إلى الإنسان، وإلا ما كان استخدم للتجارب في المعامل والأبحاث العلمية.  كما أن هناك أقاويل تقول بأن الفأر أيضاً يعود في أصوله إلى الخنزير، فيحكي أن الخنزير عطس في سفينة نوح عليه السلام فأخرج الفأر، وبينما بدأ الفأر بإزعاج الحيوانات الأخرى، وقضم حبال السفينة، وإذا بالأسد يعطس فيخرج القط، وبدأ القط بملاحقة الفأر حتى قتله، يعني القط أصله أسد، طيب بالله يا قط يالي أصلك أسد، قوم واقتل الفأر المختبئ لدينا في الحمام.


وبعد أن سمعت أن هناك مذيعات في محطة BBC   قد هددوا الإدارة بتقديم استقالاتهن بسبب وجود الفئران في الإذاعة، " يعني وصلت الفئران لـBBC والله هي الفئران وصلت وإحنا ما وصلناش، بكرة بنلاقي أعضاء في المجالس التشريعة بيهددوا بتقديم استقالتهم ، برضو بسبب الفئران، يعني الفئران هي سبب كل البلاوي إلي في الدنيا وإحنا مش عارفين.


المهم توصلنا أخيرا إلى قرار مفاده أن الفأر لن يموت إلا بتكاتفنا جميعاً، ووعدت أن أقف إلى جانب العائلة في هذا الموقف الجلل، وأن أتجاوز كل مخاوفي، وتدربت على ذلك طويلاً، لدرجة أنني شعرت لوهلة بسيطة" وهلة بسيطة، يعني لا تتعدى الثانية لا أكثر " بأنني قد تخلصت من عقدتي الأزلية، وسأتولى وحدي مسألة قتل الفأر.


وجاء اليوم المتفق عليه، حينما تيقنا أن الفأر قد اختبأ في المطبخ، وقد قرصه الجوع، فأدخلنا القط، ودخل زوجي ومن ثم دخل يوسف، ودخلت داليا إلى المطبخ، وحينما جاء دوري، اكتفيت بأن أغلقت خلفهم الباب وهربت، فتكاتفوا جميعاً، وبمساعدة القط، مات الفأر، وبقيت أنا أتفرج نادمة من بعيد، لأني للأسف لم أتخلص من عقدة الخوف من الفئران.