الاثنين، 4 أبريل 2011

الزواج سترة .........




رشا فرحات

دخلت إلى البيت عائدة من المدرسة، وفي محاولة لكتم ضحكاتي، حتى لا تظهر معالم السعادة والانتعاش على وجهي، الجميل المدور، وعيوني الصغيرتين " لكنهما ساحرتين"  على حد قول أمي، وبدأت أدور في أرجاء البيت تماماً كالفراشة، ثم أتلفت حولي تماماً " كأني عاملة عملة"  ثم أحدث نفسي بمكر، عملة، طيب وشو يعني، ما هو راح يجي يتزوجني، شو مانع يعني من قليل من الحب واللقاءات الشقية، ما كل بنات المدرسة بيحبوا، بيحبوا؟!!! هي يعني موضة يا بنت يا بطة، وبطة هو لقب أطلقه علي خالي في أحد زياراته لنا، هذا لأني سمينة بعض الشيء.

 ولكن محسن خطيبي، اقصد من سيكون خطيبي، يقول أنني جميلة تماماً كالبطة، صحيح أنني لا استطيع القيام من سريري صباحاً وأحتاج إلى  " سيارة دفع رباعية لسحبي"،  أقصد لمساعدة إخوتي الأربعة حتى اعتدل وأستطيع القيام، لكنني سوف أبادر إلى عمل رجيم فوري، بعد أن أشبع من تناول الكعك الذي صنعته أمي بالأمس، وذلك الطبق المليء بالسكر والكارميل الذي صنعته عمتي اليوم، وعشرة كيلو من المكسرات التي أهدتني إياها صديقتي في عيد ميلادي، وأكوام الحلوى المتكدسة في خزانتي منذ عرفت أن هناك اختراع لذيذ في الدنيا اسمه" جلاكسي"

وسألت نفسي بالعودة إلى موضوع محسن، أتراه كان جاداً حينما قال أني جميلة كالبطة، صحيح هو أجمل مني كثيراً، بالإضافة إلى أنه مهندس، وابن عائلة راقية، ولكن فاطمة صديقتي قالت انه معجب، صحيح أنني لم أرى منه أبداً ما يدل على ذلك، غير جحوظ عينيه الغريب الذي ارتسم على وجهه حينما رآني للمرة الأولى، وهو يسأل فاطمة عني:" من وينلك هالنمرة"

أكيد كان يقصد جمالي المتنمر بنمرة تميزه، يعني زي سيارات الميكرو باص الصفرا، إلي بتشتغل على خط رفح خان يونس" تشبيه بليغ"،  فأنا أحمل جمالاً مميزاً عن أنواع الجمال الأخرى، وعن بقية الفتيات اللواتي عرفهن الباش مهندس محسن.  يا فرحتي الغامرة، سأصبح يوماً زوجة الباش مهندس.

أمي تدخل من الباب وتصرخ كعادتها:
  • " ولك تنورة المدرسة بدها تتمزع، بكفي السنة إلي فاتت انفضاحنا لما رحنا للخياطة نخيطلك زي المدرسة
  • شو أعمل بحب الأكل يا ماما
  • ومين الحماااااااار الي بدو يطلع في سحنتك، ووزنك تعدى 100 كيلو
  • أمي تمزح بالمناسبة، وزني في التسعينات فقط

انتهزت فرصة الحديث عن الحمير الي بيخطبوني، أقصد الي راح يخطبوني، وبدأت الحديث في الموضوع دغري هيك وبدون مقدمات.
- ماما في واحد حماااااار

ترد أمي وقد أصبح وجهها مشوباً بحمرة، وعينيها انتفختا للخارج فرحة بالعريس الوحيد الذي ضحى بعذابات أمه وسهر الليالي من أجلي وخاطر هذه المخاطرة الكبيرة وأتى لخطبتي،" يعني في شوية مبالغة"  وشارفتا عيناها على الانفجار حتى لحقتها أنا في محاولة لإرجاع عيونها إلى مكانها، ووضعت في يدها كوباً من الماء البارد.


شربت أمي الماء على عجل وصرخت من هول الصدمة..
  • شو ، وهادا من وين عرفتيه، فش في حارتنا قروود مهابيل، كلهم شباب عاقلين صلاة النبي عليهم.

غيرت أمي أقوالها، فبادرتها بملاحظاتي الثمينة:
  • ماما قللتي قبل شوي حمار، هلا صار قرد
  • حمار قرد، مش فارقة، والله أبوك لو عرف لا تجيه جلطة من الفرحة، قصدي والله لو عرف لا يسخطك، شو عنا بنات بتعرف شباب مأسوفين على شبابهم زي الحمار، قصدي القرد، الي أنت بتعرفيه.

واغرورقت عينا أمي بالدموع تعاطفاً مع ذلك العريس الضحية، ولكني حاولت تهدئتها بكل ما احمل من إمكانيات ثقيلة تماماً كوزني الثقيل.

ولكنها بادرتني بسؤالها متحفظة قدر الإمكان" فكرها أنا ما بقدر أقرأ الي بين السطور"
  • طيب يا حبيبتي" هلا صرت حبيبتك!!!  ما أنا كل يوم بسمعك وأنت بتدعي بصلاة الفجر أنقلع من عن وجهك"  وأكملت أمي" هو بيعرف قديش وزنك، طب بيعرف انك بتشوفيش من بعيد وعكشة، طب شاف شعرك الي عامل زي زنبركات الراديو ....

أوقفتها في محاولة للتهدئة، وتفكيراً في المصالحة، والخروج بقرارات ترضي الطرفين، المتمثلين بأنا  وهي ولا غبار إذا كان موضوع الباش مهندس محسن ضمن القضايا الرئيسية على طاولة النقاش، وبعد أن زاد وزني رطلين من كلماتها الصريحة" أقصد المبالغ فيها"، وشارفت على التقيؤ قرفاً من وصفها الدقيق للواقع.

ولكني حاولت أن أطمأنها، قائلة: هو لن يأتي لخطبتي الآن يا أمي، له شروط،" يعني من كثر ما حكيت معه عشان يتشرطلي واتشرطلوه، هي نظرة وحدة وبالصدفة ، وكان قرفان، والله العليم، ولا بلاش الفال مش حلو"

أكملت حديثي لأمي الغلبانة العشمانة:
  • "يعني اتفقنا انو اخسس وزني أربعين خمس وأربعين كيلو، يستحسن خمسين، وهادي مش صعبة " ومتجاهلة بحلقة أمي أكمل كلامي"  كما وسأقوم بعمل عملية ليزك في محاولة لتصحيح نظري، بقيت عملية فرد الشعر، وسأصبح مثل مارلين مونرو

- مين مانرين، مونور هادي صحبتك
- ما تقديش، وحدة هيك زي نانسي عجرم
- أنت بدك تصيري زي نانسي عجرم!!!!!!! ههههههههه




ولكني أحمل في قلبي إصرار كل الفتيات على الوصول إلى الهدف المبتغى، و بدأت اعد دراسة جدوى في محاولة لتحقيق الهدف، فبدأت برص الفكرة الأساسية عن المشكلة، ولا أحبذ أن أدخل في تفاصيلها، لأنني في وقفة صادقة مع الذات أمام مرآتي وجدت أن المشكلة عوووووووووويصة جداً.

ولكن حاشا وكلا أن أتنازل عن هدفي، بدأت بتغريم أبي ألف دولار ثمن جهاز مشي رياضي، ومجموعة من الأدوية والأعشاب بالإضافة إلى الدهون، اشي زيت زيتون مخلوط بزيت لوز، واشي زيت زنجبيل، واشي زيت خروع، واشي شوربة ملفوف، وتحدثت إلى حوالي مائة دكتور من خبراء الأعشاب، عبر القنوات الفضائية، وكانوا مشكورين يصفون لي وصفات " الله لا يوريكو طعمها" وأنا ما " اكدبش خبر" واقربع من هالأعشاب.

استمر القصف" أقصد الحصار، أقصد الصمود، صمودي يعني" حوالي عام ونصف، لم أترك فيها محسن طبعا لحظة واحدة، صحيح أني لم أقابله، وصحيح أنه لم يبدي أي رغبة بمقابلتي أو الحديث معي، لكن هذا برضو نوع من أنواع الحب، " أنا أعشق هذا النوع، من الرجال " قال يعني جربت غيره، وأنا لاقية" .

وكانت أجمل المواقف أنني كلما تحدث إليه هاتفياً تخطر في باله صورتي، فيرتعب كلما سمع صوتي ويغلق السماعة في وجهي خائفاً، حتى سمعت أنهم في احد الأيام أخذوه إلى طبيب نفسي، والى شيخ في الحارة، في محاولة لقطع الخوفة، حينما عرضت عليه أمه بأن تراني، وأخبرته بأنها سمعت عن طيب أخلاقي ..فاعتبرها محاولة نسوية للتأمر عليه وتزويجي به، وأقدم على بلع علبة دواء كاملة في محاولة للانتحار، ولكن الحمد لله في أخر لحظة تم إنقاذ حياته وخرج إلى عمله قوياً صامداً بعد برنامج متكامل للتأهيل النفسي، جعلته يتخطى الأزمة بكل وقار وإصرار، وهذا زاد من تمسكي به، انه يحمل صفات تماماً كصفاتي، وإرادة قوية كإرادتي، " شكله والله العليم راح يكون من نصيبي ..

بالعودة إلى جسدي الممشوق، اقصد النحيف، اقصد " والله مش هاين علي احكيها..ماعلينا، استمرت عمليات الشرب والقربعة والركض الصباحي أكثر من عام ونصف، بالإضافة إلى الحرمان من " الجلاكسي وأخواتها".

 كنت قد رسبت في امتحان الثانوية العامة بجدارة، وسمعت كلمتين، ثلاثة، أربعة، خمسة، من كل أفراد العائلة، وأصبح كل من هب ودب يسم في بدني من هالكلام..فاشلة، ساقطة، كل مخك في العرسان.

لكن ماذا ينبغي علي فعله، أليست كل البنات تعيش من أجل عريس في النهاية، أليست تلك أمي التي تردد على مسامعي في كل يوم مائتين وعشرين مرة العريس سترة، سترة، سترة، هي جينا ندور على السترة، فضحتونا.

وحلت ساعة الصفر....

خرجت من غرفتي في ذلك الصباح الجميل، ارتدي أجمل فستان عرفه التاريخ، وأخوتي يهللون فرحة، ومعاهم أحمد ابن الجيران" إلي دايماً مبلط عنا"، وأمي من فوقهم ترش الملح خوفاً من عيون الحساد، وأخي ورائي يحاول تصوير هذه اللحظة التي ستغير مجرى الإنسانية، وأنا بجسدي الممشوق، والذي أخاله انقسم إلى نصفين، وبوجه مختلف عن تلك المنتفخة الأولى خرجت إلى الشارع راكضة مصروعة  " لا ببالغ"  اتمختر بمشيتي ذاهبة إلى هدفي الرئيسي..محسن عريس المستقبل.

ولكنها كانت صدمة أخرى لم نعمل لها حساب، حينما رآني محسن فتح فمه بحركة تنم عن هبل مدفون في أعماقه، وبدأ يرتجف ويصرخ كالمجانين، وهم يحاولون إقناعه بأني أنا،  وهو لا يصدق بأني أنا، وركض هارباً من هول المفاجأة، وأصدقائه يهرولون ورائه في محاولة لإرجاعه إلى الواقع ، وإقناعه بأني أنا، أنا، ولكن عبثاً، وما زال محسن  يرقد حتى هذه اللحظة في مستشفى الأمراض العقلية وهو لا يصدقني أنا..
وأنا منذ تلك اللحظة لم أعد أنا ..

ليست هناك تعليقات: