السبت، 7 مايو 2011

دروس في العنصرية ...




رشا فرحات

عندي عقدة متمركزة في قرارة إحساسي العميق، وكينونة نفسي المليئة بالعقد،" وكل عقدة معقودة على بعضها مرتين"، بسبب ذكرياتي الفاخرة مع أساتذتي في المدرسة، فقد كنت في الصف الرابع عندما دخلت مدرسة العلوم في أول حصة لها، وللحق أنا لم أتعلم في غزة، ولكني تعلمت في بلد عربي شقيق، "وحط تحت شقيق مائة خط، واضحك لما تفطس، حاكم ما ضلش شقيق فهالدنيا"

المهم... نظرت المعلمة نظرة سريعة وتوقف نظرها في وجهي البريء،" برضو ما فيش مانع نحط تحت بريء كم خط"، ثم كشرت عن أنيابها، وأتذكر أنها كانت ترتدي فستانا ازرق، تماماً كسجانات المعتقل، وهو زي موحد للمعلمات في تلك البلد العربية الشقيقة،" ما تنساش الخطوط"، وحدقت وبانت أنيابها، وشعرها نكش على أخره" وسألتني: من وين أنتي؟؟ فأجبتها ببراءة، أنا من فلسطين، فاشتعلت النار فجأة بالصف، وظهرت تعاليم العنصرية العربية الشقيقة، وتحولت أنا إلى "فشة خلق" للمعلمة العنصرية، وكلما ضجرت أو سمعت صوتاً من أحد التلميذات، أوقفتني بجانب السبورة "وعشر مساطر" في كل يد حتى أعود محمرة الكفوف إلى البيت"، وفهم زملائي في الصف اللعبة، وأصبحوا يلصقون بي كل بلاويهم"، حتى أصبحت" ......" لتلك المعلمة.

لم أعرض قصتي تلك، حتى أعطي درساً في العنصرية، لكن لأتأمل معكم في كمية عدد الأولاد الذين خرجوا من تحت يد تلك المعلمة متشبعين بكم من العنصرية والتخلف، وأنا الفلسطينية الوحيدة في الصف، فلسطينية يعني رمز النضال والكفاح، وال.....الحمد لله أننا كنا في ذلك الوقت أعلى رموز النضال والكفاح، "ومكانش في قناة الجزيرة عشان تنشر بلاوينا للعالم"

بالعودة إلى موضوع معلمتي، تلك العنصرية للأسف وان كانت تختلف يتعرض لها أبنائي اليوم، هنا في الوطن، وان كانت أقل حدة ودون قصد، ففي صفوفنا كم هائل من المعلمات اللواتي يحتجن بشكل عاجل وفوري إلى إعادة صقل وتربية أخلاقية لتخريج جيل سوي، ولا أقول خالي من العقد، "لأنهم حيتعقدوا حيتعقدوا"، إذا مش من مدرس الابتدائي يبقى مدرس الإعدادي، وإذا مش مدرس الإعدادي يبقى الثانوي، وإذا مش الثانوي يبقى في الجامعة..

ولكن تأكيداً على قضية العنصرية وفي حديثي مع إحدى المعلمات في إحدى المدارس حينما سألتها:
- هل هناك فرق بين ابن فلان وابن علان في تعاملكم مع الطلاب
- المعلمة: بالتأكيد، ابن الدكتور أو المهندس، أو المتعلم بصفة عامة، يجب أن يكون متعلماً مثله، ونحن نحاول استقطاب هؤلاء الطلاب والاهتمام بهم أكثر من غيرهم.
- أنا : يا سلام، يعني لو كان الولد ابن حدا من العمال، أو غير المتعلمين، ما فيش اهتمام فيه
- لا في اهتمام بس هادا من الطبيعي انو ما يكون شاطر في المدرسة، بالإضافة إلى أن المديرة في أغلب الأحيان تهتم بأبناء المفتشين، والموظفين في التربية والتعليم، لأنها تخشى أبائهم، ونحن نعمل على زيادة درجاتهم، أو تصحيح أخطائهم في الامتحانات لكي يحتفظوا بمستوياتهم العالية في الدراسة.

يا حلاوة يا ولآد، هادا إلي ماكانش على البال ولا الخاطر، لكن الحق يقع على الست الناظرة و المعلمات فعلاً،  فلماذا لم يشعرونا من البداية بحكاية العنصرية الوسائطية، "حطلك خط"  قد انتشرت أيضاً في السلك الدبلوماسي، أقصد التعليمي، كنا أخدنا كم كيلو جبنة على كم رغيف خبز، وأخذنا حبايبنا وقرايبنا من الموظفين في التربية والتعليم، والسياسة، والصحافة، والمصورين وذهبنا في جولة في مدارس الأولاد، يعني مجرد  "قرصة ودن" للمديرة والمعلمات لكي يعرفوا أننا ببساطة" ناس واااااصلة"

وأنا صدقا لا أبالغ إذا تحدثت عن العنصرية فإليك أخي القارئ، وأنا اعلم تماماً كم أثقلت عليك في حديثي الذي يعتبره الكثيرون منكم مجرد برم فارغ، ولكن عن تجربة وبعد تدقيق وتمحيص، ووفقا لدراسة إستراتيجية، ولف ودوران في الحالات والفضائح التي تعبق مجتمعنا الفلسطيني...

بداية " أكيد في منكو قال، هو انت لسة ما بدتيش" صبرك بالله، الجاي راح يعجبك" .  فلنتحدث عن الطالب الأول في الصف، فهذا الطالب يجب أن يكون مبدعاً في كل شيء، يجب أن يشارك في الإذاعة، هو من يقدم الحفلات، وهو من يجلس في أول صف، وهو من يشارك في نشاطات الرسم ويعطى أعلى الدرجات، بصرف النظر إذا كان رساماً أو لا ، والطلاب الآخرين، ينحرقوا، بصرف النظر إذا كانت لديهم مواهب أم لا، يعني هو الطالب الأول، ولذلك تجد الطالب الأول محط أنظار كل الأولاد، وحسدهم وغيرتهم، لأنه متميز، ولأن المدرسة أعطته دفعة للتميز متجاهلة تميز الآخرين من الطلبة، لذلك يخرج أبنائنا جميعهم معقدين من الطالب الأول ومن المدرسة أساساً.

ويبقى الأطفال الآخرين فارغي أفواههم كالبلهاء، يتقربون جميعهم إلى الطالب الأول، لعل بركاته تنتقل إلى عقولهم، وتتعقد الصورة أكثر إذا جاء ولدك مكفهر الوجه متضايق لأن الأستاذ مصر على إجابة الطالب الأول على الرغم من أنها خاطئة " يعني على الغميض"، " ما هو واثق من الطالب الأول ثقة عمياء" ويرفض الاستماع إلى إجابة ابني الصحيحة لأنه ببساطة" مش الأول" والطالب " الأول لا يخطئ،" من وجهة نظر الأستاذ"  فهو ابن فلان ... وحاصل على 99.9 %، بجدااارة.

كما أن  الأستاذ، يشارك الطالب الأول، ويستشير الطالب الأول، وليش ما تتعلموا يا بهايم من الطالب الأول، وكل الأمور ماشية على مزاج الطالب الأول، وإذا اقترف الطالب الأول خطيئة من أي نوع فإنه ببساطة يقول " ما عملتش" فيعلو صوت الحق " إلي هو صوت الطالب الأول" وتعلوا معه أصوات العنصرية والكراهية التي تنخر في رؤوس أطفال الصف ... وتعلو العقد وتسمو أكثر وأكثر.

وبالتعقيب أيضا في موضوع العنصرية " معلش تحملوني، أنا عارفة انو القراية صعبة اليومين هدول"  ولكنها  قصة حدثني بها زوجي الذي يعمل في مشروع يعني بترميم المدارس في قطاع غزة، حينما دخل إلى إحدى المدارس فوجد أربعة شحوطة، عفواً.. أقصد أربعة معلمين، قد هجموا مثل ذئاب الجبل على أحد الطلاب فأوسعوه ضرباً دون رحمة ، وزوجي يحاول التدخل والحديث فلا يسمعه أي من المعلمين لشدة اندماجهم في الضرب وكأنهم يثأرون لعقدهم " القديمة" التي هي ذات العقدة، وعندما سأل زوجي لاحقاً عن سبب ضرب الطالب فأجابه أحد الأساتذة باستهتار: سيبك منه، واتضح  بأنه يتيم ولا يسأل عنه أحد ولا يتفقده أي من عائلته ولا يسألون عنه، " يعني صارت القصة هيك، هو لو ابن عيلة واصلة، كان ما استرجا حدا من الأساتذة الأشاوس يضربه كف" " يا عني على الحركة لتعليمية الماشية في البلد " عنصرية يا عم.

وفي التعقيب " برضو حط خط" على موضوع العنصرية فإن السيدة الفاضلة التي تملك ألاف الدولارات في البنك، والتي قد أهدت إلى المدرسة في عيد الفلاح ألف شتلة، وفي عيد الأم ألف زهرة، وفي احتفال رأس السنة خمسمائة علبة بسكويت، وفي عيد الاستقلال فرقة موسيقية لتهتف في احتفال المدرسة " بحبك يا فلسطين، من قلبي الحزين"  فقد حصل ابنها على المركز الأول في جميع المواد، بالإضافة إلى المركز الأول في الإبداع الأدبي، بالإضافة إلى المركز الأول في مسابقة الفنون الجميلة، بالإضافة إلى المركز الأول في دروس العزف الموسيقي، بالإضافة إلى المركز الأول، في القراءة والخطابة والتقديم البرامجي في الإذاعة المدرسية، يعني صار بدي الحق اخذلي صورة مع التلميذ النابغة صاحب المركز الأول.

هذا بالإضافة إلى قصة ذلك الأستاذ الذي طرد الطالب من الصف لأنه...
ولا بلاش اليوم صار في مصالحة، وإحنا بدنا نهدي النفوس مش أكثر...خليها سالكة إحنا ما صدقنا.

هناك تعليقان (2):

شهرزاد المصرية يقول...

عزيزتى أولا دعينى أسجل إعجابى بمدونتك الزرقاء كموج البحر
ثانيا أوجعت قلبى بقصة تلك المعلمة المشوهة نفسيا التى تنقل تشوهاتهت إلى الأطفال
و لكن صدقا هذا لا يشمل الجميع
أنا مثلا أعمل بالتدريس الجامعى منذ فترة طويلة و بكل صدق أقول لك تعاملت مع كثير من الفلسطينيين و كانوا دائما فوق رأسى أنا و زملائى
فهذا الشعب المناضل يستحق كل تقدير
تحياتى لك

بيتنا القديم يقول...

اسجل نفس الاعجاب الذى سجلته الاستاذة شهر زاد..وازيدك من الشعر بيتا ان قلمك غاية في الرشاقة والجمل خفيفة وتؤدي المعنى في بساطة..والاجمل ان الفكرة تصل بسرعة..!
(:
دمت بخير